السلام عليكم ورحمة الله وبركـاته
أسعد الله أوقاتكم بكل خـير
تضاربت الأقوال حول الشعر وماهيّـته وطبيعته فتارةً نسمعُ أنّـه هبه من الله وتارةٌ يُـقال إنّه ذو علاقةٍ بالجنّ وهم من يغذّون الشـاعر بالقصائد والمعاني ... إلخ
ولكي نعرف حقيقة هذا الأمر أودّ أن أبحر بكم قليلاً في أصل الشعر وأوّل من ارتجلـهُ ونطق به حسب ما وردْ .
يُـقال أنّ أول من قال الشعر هو أبونا آدم عليه السلام وهنا نصّ الرواية .
يقال ان الحجاج سأل ابن القـريـة عن اول من نطق بالشعر :
فقال :- آدم حين قتل قابيل اخاه هابيل فقد قال :-
تغيرت البلاد ومن عليها = فوجه الارض مُغْبَرٌ قبيحُ
تغير كُلُّ ذي طعمٍ ولونٍ = ولم يُرَ في الدُّنى شئ مليحُ
بكت عيني وحُقّ لها بكاها = وجفني بعد احبابي قريحُ
فأجابه إبليس على قوله هذا فقال :-
تنوح على البلاد ومن عليها = وبالفردوس ضاق بك الفسيح
وكنت به وعرسك في نعيم = من الدنيا وقلبك مستريح
فما زالت مكايدتي ومكري = الى ان فاتك الثمن الربيح
المصدر : كتاب قول على قول
المؤلف : حسن سعيد الكرمي
الجزء السابع
والرواية لا تَـثبت لأنها تاريخ والتاريخ متضارب .
القول الراجح
ذهب أغلب المؤرخون أنّ الشعر ازدهر وكان في أوج تألقـه في عهد عادٍ وثمود ولكنّ الله محاهم وأهلكهم ولم يصلنا شيءٌ من شعرهم ولكن وصلنا أن الشعر كان في عهدهم على أفضل حال
ويذهب أغلب المؤرخون والنقّـاد إلى أنّ الشعر بدأ في العصر الجاهلي قبل بعثة النبي صلّـى الله عليه وسلم بحاولي مئـتي عام وكان على شكل أراجيز
أي أنّـه على بحر ( الرجز) العربي
وكان يشيع ذلك في سجع الكُـهّـان ولم تبلغ أبياتهم أكثر من عشرة أبيات
ولكن نشأة الشعر الحقيقي هي في عصر حرب البسوس حين قتل جسّـاس كليبًا فتأججت نيران الغضب في نفس أخيه سالم ( الزير ) ونطق بأول قصيدة طويلة عدّها النقاد أول قصيدة جاهليّـة وأوّل ما قِـيل من الشعر والتي يقول في مطلعها
أهـاج قذاء عينيَ الادكارُ
هُـدوءاً فالدموعُ لها انهمارُ
وصار الليل مشــتملاً علينا
كــأن اللـيـلَ ليس له نهارُ
وبتُّ أراقـبُ الجوزاء حـتى
تقــارب من أوائـــلها انـــحـدارُ
إلى آخر هذه الرائعة
ثم توالى الشعر بعد ذلك وأتى شعراء المعلّقات المشهورين الذين سمَوا بالشعر ووضعوا أساسه وأفقَـه واحترفوه ولم يبلغهم أحدٌ إلى الآن
بُـعث المصطفى صلى الله عليه وسلم وأتهمه كفّـار قريش بأنّـه شاعر .
ونفى الله عزّ وجلّ عنه ذلك بقوله تعالى ( وما علّـمناه الشّـعر)
إذًا هنا تعريف للشعر في هذه الآيه الكريمة بأنّـه عِـلم
وبأنه من الله عز وجل يهبه من يشاء .
فكلمة علّمناه تقتضي أنّـه علم ومَـلكة يؤتيها الله من يشاء
وفي هذا إشارة إلى أنّ الشعر- مطلقًا- لا علاقة لـه بالجـنّ
وما يشيع في ذلك هو من ردة فعل العامّـة تجاه إمر يعجزون عنه فيحيلون ذلك إلى من لديه قدرة خارقة وهم الجنّ .
وما يشيعُ بين النّـاس من أنّه كان لكل شاعر تابع فهذا خرافة وليس له أصل
فهناك من يقول أنّ لإمري القيس تابع يُـسمّـى ( لافظ بن لاحظ) تابع أي: شيطان أو جنّـي
ولعبيد بن الأبرص تابع يسمّـى (هاذر بن ماهر)
وللنابغة الذبياني تابع يسمّـى( مدرك بن واغم )
فهذا محضُ خرافة وأساطير ابتدعها من هم في عصرهم وأوكلوا ذلك الأمر إلى وادٍ اسمه وادي عبـقر
والحقيقة أنّـه لا يوجد هناك أصلٌ لهذا الوادي إنّـما هو مجازي في عقول من ابتدعه ومن أتى بعدهم جعلوه حقيقة .
لقد كان كبار الصحابة رضوان الله عليهم من الشعراء ويقرضون الشعر
فكان أبو بكرٍ شاعرًا
وعبدالله بن رواحة شاعرًا
وعمرو بن العاص شاعرًا
وكان من أعلام المسلمين وفقهائهم شعراء مثل الشافعي رحمة الله عليه
فهؤلاء أشخاص محفوفون بالطاعات وبذكر الله فهل للشيطاين أو للجن عليهم سلطان ؟
هم شعراء بأمر الله وقد وهبهم الله ذلك
لكن قد يكون هنـاك إنسان به مسّ من الجنّ وفوق ذلك يكون شاعرًا بأمر الله فيرى النّـاس أن الجنّ هو من علّمـه الشعر
نأتي الآن للنوابغ من الشعراء وتقريبًا أشهرهم ذاك الذي كان يُـنصب له خيمةً أو قبّـةً حمراء ويحكّـم بين الشعراء وهو النابغة الذبياني
فقد كان من أشعر الناس وكان هو الناقد والمحكّ الأساسي للشعر آنذاك .
سمّـي النابغة لأنّـه نبغ وأصبح شاعرًا بعد سنّ الأربعين فلم يكن يقرض الشعر قبل ذلك إنما نبغ وأوتي هذا العلم بأمر الله .
هناك أيضًا النابغة الجعدي الذي دعى له الرسول صلى الله عليه وسلم وكان أيضًا نابغَا في الشعر بعد عمر طويل ولم يكن شاعرًا من بدايته بعكس طرفةَ بن العبد الذي كان يقرض الشعر منذ نعومة أظفاره
نأتي إلى كيف أصبح هؤلاء وغيرهم شعراء
كان النابغة الذبياني يحفظ الكثير من الشعر ويردّده وكان يميل إلى سماعه من غيره وبذلك تولّدت عنده موهبة الشعر وأصبح شاعرًا
الزير سالم لم يكن يقرض الشعر ولكن الموقف العصيب الذي مر عليـه من قتل أخيه كليب جعل موهبة الشعر تتفجّـر لديه وهذا أكبر المؤثرات
فقد يمر على الإنسان حالة نفسية عصيبة ويتفجّـر منها إبداع إما بكتابة أو بشعر وهذا هو الأفضل دائمًا في عصرنا الحاضر .
ويُـروى أنّ الشاعر العباسي الكبير أبو نوّاس ذهب لأبي العلاء المعرّي فقال له :
يا أبا العلاء إنني أريد أن يكون لي شأن وأريد أن أصبح شاعرًا فكيف السبيل إلى ذلك .
فقال أبا العلاء: احفظ الكثير من الشعر .
يقول أبا نوّاس : فعكفت على الشعر أحفظه حتى حفظت آلاف الأبيات منه حتى تفجّـرت عندي موهبة الشعر ؛ وأصبح ابا نوّاس من رموز الشعر العربي المجدّدين .
وقد يكون الشعر أمرًا وراثيًا وليس هذا حتميًا ولكنّـه غالب الأحيان يكون كذلك كما هو الحال بالنسبة للمرقّـش وغيره ممن ورثوا الشعر من آبائهم أو أجدادهم أو أخوالهم .
في نهاية هذا الطرح أتمنى أن تعمّ الفائدة للجميع ومن لديه أي استفسار أو نقد حول ما ذُكر فأنا حاضر هنا ونتعلّـم من بعضنا .
منقــــــــــــــول
المفضلات