بسم الله الرحمن الرحيم

قصيدة للفرزدق الشاعر قالها في
زين العابدين علي بن الحسين
وهي من أجمل ما قال

سبب القصيدة:

لما حج هشام بن عبد الملك بن مروان رحمه الله في أيام خلافة أبيه طاف بالبيت و جهد أن يصل إلى الحجر الأسود ليستلمه فلم يقدر على ذلك لكثرة الزحام فنُصب له كرسي و جلس عليه ينظر إلى الناس و معه جماعة من أعيان الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أجمعين فطاف بالبيت
فلما انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتى استلم الحجر فقال رجل من أهل الشام لهشام من هذا الذي هابه الناس هذه الهيبة فقال هشام لا أعرفه مخافه أن يرغب فيه أهل الشام .


و كان الفرزدق التميمي الشاعرُ حاضراً فقال أنا أعرفه ثم اندفع فأنشد هذه القصيدة الرائعة :


هــذا الــذي تـعـرف الـبـطحاء وطـأته
و الــبـيـت يـعـرِفُـه والــحـلُ و الــحـرمُ

هـــذا ابـــن خــيـر عِــبـاد الله كـلـهـم
هــذا الـتـقي الـنـقي الـطـاهر الـعلمُ

هــذا ابــن فـاطـمةٌ إن كـنـت جـاهله
بـــجــدّه أنــبــيـاء الله قـــــد خــتــمـوا

و لــيـس قـولـكم مــن هــذا بـضـائره
الـعُـرب تـعـرف مــن أنـكرت و الـعجم

كــلـتـا يــديـه غــيـاث عـــم نـفـعـهما
يـسـتـوكـفـان و لايــعـروهـمـا عــــدم

ســهـل الـخـليقةِ لا تـخـشى بــوادره
يـزيـنه إثـنان : حسن الـخلق و الـشيم

حــمّـال أثــقـال أقـــوام إذا افـتـدحـوا
حــلـو الـشـمـائل تـحـلو عـنـده نـعـم

مــاقــال : لا قــطٌ إلا فـــــي تــشــهـدهُ
لــــولا الـتـشـهـد كــانــت لاؤه نــعــم

عــمّ الـبـرية بـالإحـسان فـانـقشعت
عـنـهـا الـغـيـاهب و الإمــلاق و الـعـدم

إذا رأتـــــه قـــريــش قــــال قـائـلـهـا
إلـــى مــكـارم هـــذا يـنـتهي الـكـرم

يـغـضي حـيـاءً و يـغضى مـن مـهابتهِ
فـــــلا يُــكّــلَـمُ الإ حـــيــن يــبـتـسـم

بــكــفّـه خـــيــزران ريــحـهـا عــبــق
مــن كــف أرع فــي عـرنيـنه شـمـم

يــكــاد يـمـسِـكـه عــرفــان راحــتــهِ
ركـــن الـحـطـيم إذا مــا جـاء يـسـتلمُ

الله شــــرفـــه قِـــدمـــاً و عــظــمــهُ
جــرى بــذَاكَ لــه فــي لـوحـة الـقلم

أي الـخـلائـق لـيـست فــي رقـابِـهُم
لأوّلــــيّـــة هـــــــذا أولــــــه نـــعـــم

مــــن يـشـكـر الله يـشـكـر أوّلــيّـة ذا
فـالـدين مــن بـيـت هــذا نـالهُ الأُمـم

يـنمي إلـى ذروة الـدين التي قصُرت
عـنـها الأكــفّ و عــن إدراكـهـا الـقـدم

مـــن جـــدّه دان فــضـل الأنـبـيـاء لــه
و فــضــل أمــتـهِ دانـــت لـــهُ الأمـــم

مـشـتـقّةٌ مـــن رســـول الله نـبـعـته
طــابـت مـغـارِسه و الـخـيم و الـشـيَمُ

يـنشق ثـوب الـدجى عـن نـور غـرّته
كالشمس تنجاب عن إشراقها الظُلم

مــن مـعـشرٍ حـبـهم ديــن و بـغضهم
كــفــر و قـربـهـم مـنـجـى و مـعـتـصمُ

مـــقــدمٌ بــعــد ذكــــر الله ذكــرهــم
فــي كــل بــدء و مـخـتوم بــه الـكـلمُ

إن عــد أهــل الـتـقى كـانـوا أئـمـتهم
أو قـيل مـن خير أهل الأرض قيل همُ

لا يـسـتـطيع جـــوادٌ بــعـد جــودهـم
و لا يــدانــيـهـم قـــــومٌ و أن كـــرمــوا

هـــم الـغـيـوث إذا مــا أزمــةٌ أزمــت
و الُسد أُسد الشرى ، و البأس محتدمُ

لا يـنـقص الـعسر بـسطاً مـن أكـفهم
سـيّـان ذلــك : إن أثــروا و إن عـدمـوا

يُـسـتـدفعُ الــشـر و الـبـلـوى بـحـبهم
و يـسـتـربُّ بـــه الأحــسـان و الـنـعـم