بسم الله الرحمن الرحيم
الشجاعة من الفضائل الجوهرية , لأنها من الوسائط العظيمة الضرورية , لحفظ الذات و
نوال الغبطة و السعادة , فالرجل القوي النفس الشجاع الباسل يأبى الضيم , و يذب عن حياته و شرفه و دينه و وطنه بكل ما أوتي من قوة و يأنف أن يأتي الظلم .
ليس المروءة أن تبيت منعما
و تظل معتكفا على الأقداح
ما للرجال و للتنعم إنما
خلقوا ليوم كريهة و كفاح
نعم..إنه بشهامته و علو نفسه في عمله يحصل على رزقه من وجوهه الشريفة المشروعة . و يعيش بسلام مطمئن الخاطر قرير العين غير هياب و لا وجل , و إنه لقوة إيمانه و شجاعة نفسه إذ نابته النوائب التي لا يقدر على دفعها قابلها بالصبر الجميل , و احتال للخلاص منها بتؤدة و حكمة حكيم .
فالشجاعة من هذا القبيل من أعظم الفضائل , و لهذا جعلها القدماء من أمهاتهم , و هي غريزة يضعها الله فيمن شاء من عباده ( إن الله يحب الشجاعة و لو على قتل حية ) قال بعض الحكماء
الرجال ثلاثة , فارس و شجاع و بطل , فالفارس الذي يشد إذا شدوا – و الشجاع الداعي إلى البراز و المجيب إلى داعيه – و البطل الحامي لظهور القوم إذا ولوا
و لو أن الحياة تبقى لحي
لوددنا مكانها الشجعانا
و إذ لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تكون جبانا
أما الضعف و الجبن هما رذيلتان من شر الرذائل , لأنهما قد تصاحبهما في نفس صاحبها آلاف الأوهام و الخزعبلات .
يرى الجبناء أن الجبن عقل
و تلك خديعة الطبع اللئيم
فالجبن الضن بالحياة , و الحرص على النجاة .
يفـــر الجبـــان مـــن أبيه و أمـــه
و يحمى شجاع القوم من لا يناسبه
فالرجل الضعيف الجبان , يعيش في الأوهام و المخاوف الدائمة فيرضى صحته بالفزع و الوجل من لا شيء – و هذا الخوف أو الوهم و الوسواس إنما هو آفة له قد يكون بها أسير أوهامه , و رفيق كل من يريد هضم أعماله و هو استعباد قواه و إذلالها فينتنص شأنه و يفسد عليه عيشه حتى انه ليجعل حياته طوع إرادة و هوى من يخافه و يتملقه .
و إذا ما خلا الجبان بأرض
طلب الطعن وحده و النزالا
الجبن عار و في الإقدام مكرمة
و المرء بالجبن لا ينجو من القدر
على أن أكثر هذه الصفات قد تكون و راثية , أي أنتجتها أحوال سابقة للأمم و الأفراد – غير أن التربية قد تصلح من تلك الصفات على تمادى الأجيال , متى ما قصدت الأمم و الأفراد – غير أن التربية قد تصلح من تلك الصفات على تمادى الأجيال , متى قصدت الأمم إليها , و عرفت ما ينقصها منها – لانها كثيرا ما يتعلق إرادة البشر إصلاح أحوالهم و إنما تعوزهم العزيمة و الثبات , لأننا بمعرفتنا ما ينقصنا من الأخلاق و شعورنا بالنقص فيها يمكننا أن نسعى إلى إحيائها في نفوسنا بحيث نهيئ ذرارينا لها بإصلاح أحوالنا على قدر الطاقة .
و صفوة القول , أن الجبن هو الذي أوهى دعائم الماماليك , فهدم منارها و أضعف قلوب العالمين , فسقطت صروحهم – هو الذي يغلق أبواب الخير في وجوه الطالبين و يطمس معالم الهداية على أنظار السائرين , و يسهل على نفوس احتمال المذلة و يخفف عليها مضض المسكنة و يهون عليها حمل نير العبودية الثقيل ,و يوطن النفس على تلقي الإهانة بالصبر و الإحتمال و تجلد – الجبن يلبس الناس عار دون احتماله موت أحمر عند كل ذي روح ذكية , و همة عليه – يرى الجبان وعر المذلات سهلا , و يشظف العيش في المسكنات رهفا و نعيما , لا/ بل يتجرع مرارة الموت في كل لحظة و لكنه راض بكل حال , و إن لم يبقى له إلا عين تبصر الأعداء , و لا ترى الأحياء , و نفس لا يصعد إلا بالصعداء و إحساس لا يلم به إلا الأذلاء , هذه حياته أضاع كل شيء في القناعة بلا شيء , و هو يظن أنه أدرك الغاية و حصل على النهاية – كيف لا و الجبن انخذال في النفس عن مصادمة كل عارض لا يلائم حاله , و هو مرض من الأمراض الروحية , يذهب بالقوة الحافظة للوجود التي جعلها الله ركنا من أركان الحياة الطبيعية .
المفضلات