bsm




الأعمال كثيرة متفاوتة في أهميتها و كثيرة فائدتها , و بحسبها تتفاوت العمال في الفضل و المقام اذ الفرق بين رجل يجري في الطريق أمام العجلات و رجل يرشد الخلق و يهذبهم و يعلمهم ما يفيدهم في دينهم و دنياهم , كالفرق بين ذرة من الكئنات و الكون كله . فمشهوروا الرجال الذين قادوا الأمم الى ما فيهم نجاحهم و ثروتهم و راحتهم و سعادتهم لم ينشر صوتهم في الدنيا الا بما يبيّنوه للناس من المعارف التامة و الفوائد العامة حتى استنار بهم الكون . فمنهم هداة الخلق الى خالقهم , و رجال السياسة الذين ساسوا الناس الى طرق الخير و ضبطو أعمالهم و أحوالهم , و رجال العلم الذين رفعوا مناره و أظهروا عجائب المخلوقات , و غرائب الكائنات فكثرة الأرزاق و اتسعت أبواب المعيشة .
العمل هو الدليل الى حاجات الانسان و على نسبته الى طبيعته و لولاه لما كان الانسان و لا كان العمران - وكل عظيم مما يملكه الانسان جاء به العمل العقلي و الجسدي , فالاكتشفات و الاختراعات و المبتكرات و الشرائع و النواميس و القوانين نتيجة العمل و التعب . و أتعب الناس و أشقاهم من لا عمل له فانه لا يرجى منه نفع لنفسه و لا لغيره - العمل وان كان لا يقوم بلا مال فانه يدير دولاب الأعمال و المال وحده لا يجعل للرجال أثر يذكر , و لا تاريخا يؤثر و لا صيتا يشهر ,فكم من ذي كنوز لا يعرف اسمه جاره , و كم من فقير عامل له صوت في أمته وكم من ذي فاقه يشار اليه بالبنان و تلهج بذكره الالسنة في كل زمان و مكان.
بالجملة______لم نرى أديبا من الأدباء و لا حكيما من الحكماء يحث الناس على جمع المال لذاته و لم يقع نظرنا على عاقل يفتخر بماله و انما المأثور عن الفلاسفة الحث على العمل و المثابرة عليه , وما ذاك الا لان العمل هو الذي له قيمة في الحياة و شأن عظيم في رفع الرجال . ان المال قد يرفع و لكن مركزه مركز المساعد الذي يمكن الاستغناء عنه , و لا شك في ذالك فان التاريخ لم يخلد ذكر الناس لوفرة مالهم - و لكن لما قامو به من جليل أعمالهم .





المرحوم السيد--أحمد الهاشمي
( مدير مدارس فؤاد الأول و مراقب مدارس فكتوريا الانجليزيه سابقا )

"1379ه__1959م