لغـــة الأرقـــام
الشيخ عبدالملك القـاسم
صديقي لا يعرف سوى لغة الأرقـام


تسأله سؤالا .. تجد الجمع والطرح أولا .. ثم يأتيك الجواب ..

في ليلة سفـر بـاردة .. ساد فيها الصمت والإرهـاق

قال لي .. كم تتصدق كل سنة من مالك ؟

عجبت من السؤال بعد طول سكوت

ولكنه أصـر على السؤال مرة أخرى .. وقبل أن أجيب سألته .. لماذا تسأل ؟ .. وأنت تعلم أن إخفاء الصدقة خير من إعـلانـها كما في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم : " سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله " وذكر منهم : " ورجلا تصدق بصدقة فأخفـاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينــه "

ولكنه شدد في السؤال .. واحترت في الجواب

فكرت .. كم أتصدق في سنة كاملة .. ؟

سؤال يمر عبر السنة .. أيام وشهور مضت

بعد أن لاحظ طول تفكيري ..

قال : دعني أقرّب لك السؤال ..

نحن الآن في منتصف الشهر ..

مضى نحو أسبوعين من بداية هلال هذا الشـهــر

كم أنفقت في أوجه الخير والبر .. ؟

أجبته بسـرعة وبدون تردد .. لم أنفق شيئا إطـلاقا ..

هز رأسـه .. وأصـاب هدفـه .. وعاد للغة الأرقــام وقرر بعد برهة من الوقت

أنت لا تتصدق في اليوم ولا بشق تمرة .. أرأيت كيف ؟

تعجبت من حسـابه .. ولكنه أضـاف ..

أنت لا تتصدق إلا إذا وجدت فقيـرا .. أليس كذلك ؟

قلت له .. نعم ..

هز رأســه .. وقال :

متـى نجد ذلك الفقيـر المحتاج .. أو متى بحثت عن فقير ؟

ولا أقول فقيرا فقط .. بل من أقاربك أو جيرانك .. ؟

كان جوابي داخل نفسي .. لم أبحث لا عن جار ولا قريب ..

قال : لو فرضنا أنك تتصدق كل يوم بريـال .. لأصبح مجموع ما تنفقه في عام كامل ثلاثمائة وستون ريالا ..

مبلغ زهيد .. انتظر الجواب !

قلت له موافقا .. نعم هذا صحيح ..

ولكنني أعلم أنني لا أتصدق بهذا المبلغ في عام كامل رغم ما قلته ..

واصل حديثه .. بعد أن أكملت جوابي

باب الصدقة باب كبيـر من أبواب العبادات فيه سد لحاجة فقير ..

وكسوة لعـار .. ولقمة لجائع .. وإغاثة لملهوف ..

وتعليم لجاهل ..

لقد وهبك الله هذا المال .. ومرتبك كبير ولكن ماذا قدمت للإسلام والمسلمين ؟

هل اشتريت كتابا لإخوانك وجيرانك .. ؟

هل شاركت في بناء مسجد ولو بالقليل .. ؟

كم شريطا إسـلاميا أهديت .. ؟ كم فقيرا واسيت .. ؟

مجالات الخير كثيرة .. و متعددة ..

ولكن أرأيت كم نحن محرومـون من هذه الأجــر ؟!

لماذا لا تخصص مبلغا ثابتا كل شهر .. مما زاد عن حاجتك ينفق في أبواب الخير ..

ثم هناك الكثير تستطيع أن تقدمه .. خذ مثلا وعليك بالجمع ..

لو استغنيت عن كأس من اللبن تشربه في اليوم لوفرت ريالا كاملا يكفي شراء وجبة كاملة لعائلة مسلمة لم تر طعاما يوما أو يومين !

لو تركت شراء ثوب واحد مما زاد عن حاجتك كل عام .. لأنفقت مبلغا مائة وخمسين ريالا تكفي لشراء كتب إسلامية توزع على مدارس المسلمين ..

لو تركت زوجتك شراء فستان واحد كل عام .. لكفى ذلك تكلفة برنامج إذاعي إسلامي لمدة عشرين دقيقة .. في بلاد الحرب لا هوادة بين المسلمين والمنصرين ..

أرأيت كيف فعلت ؟

ألبسها الله لباس الأمن يوم الخوف .. وكساها لباس التقوى .. وجعل ما تركته في الدنيا سترا لها عن النار يوم القـيامة ..

أرأيت .. يا أخي الحبيب .. كيف يمكنك أن تترك بعد موتك صدقة جارية قد تظل تنال ثوابها إلى أن تقوم الساعة !

من كتاب الزمن القادم .. عبدالملك عبد القاسم ( بتصرف )

الآن أخي المسلم .. أختي المسلمة .. إنها والله رسائل ليست للعبرة والعظة فقط بل للعمل والتحرك لهذا الدين الذي كلفنا أمانة تبليغه .. ورحم الله الصحابة الذين رووا الأرض بدمائهم لنشر هذا الدين العظيم .. إنه أمانة في أعناقنا فنرجو الله ألا نضيع هذه الأمانة