التأثير والتغيير بقوة الحب
مقدمة :
الحب وسلطانه على المشاعر وإيقاعاته المؤثرة وخواطره المثيرة ولغته العذبة الرقراقة هي من أجمل الهبات الممنوحة للإنسان في هذا العالم المكتظ بالتلوث والضجيج والصخب .
ارتشف كأسه الأولون والآخرون والمتقدمون والمتأخرون فطربوا له وسعدوا أيما سعادة وقالوا فيه الأشعار والآثار والكلام والحكم والأمثال المتوارثة .يعيشه الرجال والنساء والصغار والكبار والأمير والفقير فيغدوا الجميع في دوحته متساوون وبأثره متشابهون وبلذاذته مستسيغون .
سرى في قلوب الأكابر والأصاغر فسرها وأسرها بذلت لأجله التضحيات النفس والنفيس منها
ولله در أبو الطيب المتنبي حيث قال:
ولقد عذلت أهل العشق حتى ذقته فعجبت كيف يموت من لا يعشقوا
الحب يمنح القلوب الأمل .. وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
الحب يمنح المحب قوة ودافعية عالية التأثير وإرادة رفيعة المستوى فيغير الحال وينشط الأعضاء ويعمل على غسل القلب من أوضاره وأدرانه وعاهاته فهو كالنار لا يمر على قش وهش إلا أحرقه حتى لا يبقى في القلب مكان للأذى والسوء بل يصبح القلب والروح مكانا خاليا ليمتلئ بالحب والرحمة والشفقة والعطف والخير بقلبه. وما حياة الإنسان ‘لا بقلبه النظيف والسليم (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) وصدق ربنا عندما قال ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم )
فسلامة القلب هي من أثمن وأجمل ما يميزه الإنسان ويخلصه وينقذه في الآخرة وكذلك هي المنقذ في الدنيا من أمراض وأثقال أمراض القلب الحاقد أو الحسد أو ...
حار الأدباء بوصفه وسعى العلماء لاستثماره لأنه اكبر أداة ووسيلة للتأثير والتغيير وعلى أساسه رسمت خطط واستراتيجيات وتوجهات وأهداف لأنه سهم إذا أصاب حقق المراد فلا يكاد يخطئ هدفه ويفلت من تأثيره من أصيب به
وتبناه المربون وسيلة قاطعة في التأثير والتغيير والإصلاح والتعمير وتعديل السلوك وتوازن القوى وإحياء بذور الخير في النفوس والقلوب من حرمه مسخ ومن تركه وأبدل به غيره ندم ومن جربه نجح وأفلح .
فالحب يعمر قلب الصغير فيتعلم وينشأ على الخير والفضائل ويمس قلب الكبير فيحيل حياته ربيعا مزهرا وجنة بهيجة ويتسلل إلى قلب المجرم فيتوب عن إجرامه فيرق قلبه وتتهذب صفاته وتنضج ثمار أخلاقه وأذواقه ويسري في قلب العاجز فيملأه حماسا وإرادة قوية وصلابة وقوة ويمر في حياة الفاشل فتبرق في حياته الآمال المشرقة فيقوم من كبوته ويعتدل من عثرته ليجرب مرة ومرارا وتكرارا دون يأس أو إحباط أو ملل أو كلل والحب يمنح العامل أمانة وإتقانا وتحملا ولقد تساءل الباحثون والدارسون : ما هي الأمور التي تحفز الإنسان وتدفعه إلى العمل والحماس والتعاون وتغرس في نفسه رابطة الولاء والانتماء لمحيطه الاجتماعي بجميع دوائره ابتداءاً بالعائلة والأصدقاء مرورا بالعمل وانتهاء بالمجتمع والبيئة و الوطن الأكبر التي يضم الجميع في حضنه الدافئ .
وكانت خلاصة هذه الدراسات والأبحاث والعمل بلا توقف في مراكز الأبحاث أن الإنسان يتفاعل ويستجيب لسلطة الحب ويبدع بالحب وينتج بالحب و يصنع الخوارق ويركب صهوة الخطوب والمصاعب من اجل الحب و هذه المشاعر الايجابية التي تداعب فؤاده وتستدر عواطفه وأحاسيسه في الطريق الايجابي لبناء الأسرة وتحفيز المجتمع ونهضة الأوطان .
بالحب تسعد وتستمر البيوت وتشتد الأواصر وتزداد متانة وقوة ويستخرج الإنسان كل طاقاته الكامنة ويضعها على أطباق الذهب لمن يحب .أيا كان ذالك المحبوب.
بالحب تعمر الأوطان وتتقدم المجتمعات ويدفع الناس دولهم ومؤسساتهم وما يملكون من طاقه وإمكانيات للعمل والإنتاج والسعي وراء النهضة والتطور.
بالحب تظهر التضحيات والعمل الدءوب بلا كلل ولا ملل ولا تقصير وربما أحيانا بلا ثمن بل ربما لسان حال المرء يقول فعلتها من اجل الحب مثل صاحب هذه القصة !!
لأحدى الأسر في إحدى الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان هناك صبي صغير يعيش مع أمه وذات يوم قام الصبي بتنظيف حذاء والدته وتلميعه ففرحت الأم بذلك وقامت وكافأته وأعطته 5 دولارات لقاء صنيعه معها ولكن الصبي لم يرضى بالخمسة دولارات !!
وكانت المفاجئة في صباح اليوم التالي وبينما تستعد الأم للذهاب إلى العمل وقبل خروجها من المنزل لبست حذائها ولكن الحذاء كان غريبا في ذلك اليوم فأحست بأن هناك شئ غريب داخل هذا الحذاء وفعلا خلعت الحذاء ووجدت رسالة بداخلها 5 دولار وورقه كتب عليها (شكر ماما ... لقد فعلتها من اجل الحب (
اللغة التي نتعامل بها مع الحياة ومع من حولنا إذا كانت بالحب والتفاؤل والإيجابية والتسامح والعطاء عشنا نحن مع من حولنا سعداء وإذا كانت لغتنا وإيقاعنا عكس ذلك تعسنا وأتعسنا من حولنا . وإننا عندما نتكلم بهذا السياق وهذا اللون ربما يتبارد لأحد أن يقول : إن هذا الأسلوب لا نجده إلا في القصص والراويات الرومانسية والعاطفية ولا يمكن أن يعيش ويصمد أمام ضربات الواقع العملي .
الحقيقة إن زحمة الحياة وماديتها وانتشار النظرة المادية الصلدة حرمت الكثير من متعة العيش والتفاعل مع المعاني الروحانية والإنسانية ومع المشاعر الإيجابية من الحب والتسامح والعطاء . ولكن نحن نعذر من يقول هذا ويعترض بهذا الاعتراض
اولا : لأنه لم يلمس ضمن دائرته الكثير من نماذج الحب والتسامح والعطاء .
ثانيا : إن الأديان كلها دعت للعمل بهذه الطريقة وجعلت للمعاني النبيلة والمشاعر الإيجابية حصة كبيرة في حث الناس لجعلها أساسا في التعامل والتعاطي .
ثالثا : إن الذين جربوا وعاشوا التجربة – تجربة الحب – سعدوا في هذه الحياة وأسعدوا من حولهم .
رابعا : إن طغيان الأسلوب المادي الصرف المبني على المصلحة البحتة لا يلغي أهمية التعامل بالحب وخصوصا أمام النتائج المفزعة للأسلوب المادي على الإنسان والحياة والبيئة . وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ والذي نفسي بيده لا يؤمن عبداً حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه‏"‏‏.‏ و عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذى جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت‏"‏ وفى حديث آخر‏:‏ ‏"‏ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً‏"‏‏.‏ ومن حسن الخلق‏:‏ احتمال الأذى، ففى الصحيحين أن أعرابياً جذب رداء النبى صلى الله عليه وآله وسلم حتى أثرت حاشيته في عاتقه صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال‏:‏ يا محمد، مر لى من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء‏.‏وكان إذا آذاه قومه قال‏:‏ ‏"‏اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون‏"‏ وكان أويس القرني إذا رماه الصبيان بالحجارة يقول‏:‏ يا إخوتاه، إن كان ولابد‏.‏‏.‏‏.‏ فارموني بالصغار لئلا تدموا ساقي فتمعنوني من الصلاة‏.‏ وخرج إبراهيم بن أدهم إلى بعض البرارى، فاستقبله جندي فقال‏:‏ أين العمران‏؟‏ فأشار إلى المقبرة، فضرب رأسه فشجه، فلما أخبر أنه إبراهيم، جعل يقبل يده ورجله، فقال‏:‏ إنه لما ضرب رأسي سألت الله له الجنة، لأني علمت أنى أوجر بضربه إياي فلم أحب أن يكون نصيبي منه الخير، ونصيبه منى الشر، وأجتاز بعضهم في سكة، فطرح عليه رماد من السطح، فجعل أصحابه يتكلمون‏.‏ فقال‏:‏ من استحق النار فصولح على الرماد، ينبغي له أن لا يغضب‏.‏ فهذه نفوس ذللت بالرياضة، فاعتدلت أخلاقهم، ونقيت عن الغش بواطنها، فأثمرت الرضى بالقضاء، ومن لم يجد من نفسه بعض هذه العلامات التي وجدها هؤلاء، فينبغي أن يداوم الرياضة ليصل، فإنه بعد ما وصل‏".‏
إن الإدارة بالحب والمشاعر الايجابية تجاه الآخرين تعززالثقة بالنفس وتوقظ الطاقات وتجعل الشخص منا على سلم النجاح وتبث الحماس والإقبال على العمل والإنتاج والإخلاص والتجاوب المنقطع النظير مع السياسات والأهداف والتطلعات العامة والخاصة
وأمامنا الكثير من النصوص والشواهد التي تعبر عن الإدارة بالحب والتعامل بالحب والتأثير بالحب .
بينما كان الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام يؤم الناس في المسجد في المدينة ويأتي حفيديه الحسن والحسين ويلعبان فوق ظهره الشريف ولا يرفع بابي هو وأمي من السجود إلا بعد أن ينتهيا من اللعب والمرح !!
وكم جاءت النصوص التي تبين أن الرسول الكريم كان إذا دخلت عليه ابنته السيدة الجليلة فاطمة الزهراء يقوم لها ويقبلها ويجلسها مكانه .
فالإدارة بالحب في العلاقات التربوية والعلاقة الزوجية والعلاقات الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية والسياسية أثبتت عبر التاريخ أن نتائجها الأقوى والأبقى
إن هذا الأسلوب من التربية والتعامل والإدارة بالمشاعر الايجابية وقوة التسامح والتقبل هي أكثر ما نحتاجه في كل مرافق حياتنا اليوم وكل المواقع في هذا الزمان سواء في علاقاتنا مع الآباء أو الأبناء أو الرئيس بالمرؤوسين والأزواج بالزوجات وحتى على مستوى العلاقات الأخرى مع الأصدقاء أو الجيران في بيئة العمل والانجاز ..
إن استبدال الغلظة باللين وشحوب الوجه بالابتسامة والكلام الحاد أو الجاف بالعبارة المهذبة والمنمقة لهو جواز سفر بلا أوراق إلي قلوب الآخرين صغيرهم كبيرهم جاهلهم وعالمهم وهذا مشاهد ومحسوس .
وهذا هو النجاح الذي يرجوه الإنسان في دار الدنيا والتي سوف تأهله إلى دار القرار والبقاء حيث لا تعب ولا عناء إنما متعة وانس بإذن الله في دار فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
قال علي بن أبي طالب ( القلوب وحشية فمن تألفها أقبلت عليه )
واذكر في نفس السياق قول الشاعر .
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم لطالما استعبد الإنسان إحسان
فلننبذ من الآن وصاعد نبذ العنف في تعاملنا وإبداله بالرقة والبشاشة والتسامح وننبذ التسلط والظلم ونبدله بالإدارة بالمشاركة وروح الفريق وان أحب لأخي ما أحب لنفسي. عندها فقط سوف نرى التغير الايجابي الكبير في كل مكان وتأثيره الساحر واضح للعيان .
ولا أنسى أن اذكر أن عالمنا العربي يسجل نسب عالية من الطلاق على مستوى العالم سواء الطلاق بمعناه الكامل أو الطلاق العاطفي بالإضافة إلي نسب كبيرة من المرضى النفسيين والمعقدين وهم في الغالب من ضحايا العنف والقسوة.
وانحرافات كبيرة في السلوكيات تبدأ من البيت وتترعرع في المدرسة والحي وكل هذه الأرقام الخطيرة ناتجة لتفشي ثقافة العنف والإدارة بالإكراه.
بالإضافة إلى توسع وانتشار الجريمة بين صفوف الشباب والجريمة المتنوعة المنظمة وغير المنظمة وتبني أفكار العنف والإرهاب والتي جلبت ويلات كبيرة جدا على الناس والذين أوصانا الرحمن الرحيم بهم بالرحمة في مواقف كثيرة جدا.
« ما كان الرفق في شيء؛ إلا زانه, ولا نزع من شيء إلا شانه" حديث.
وقد جعلت الكتاب من عدة فصول :
الأول : بعنوان التأثير والتغيير ومقسم إلى عدة أبواب تبحث في معاني التأثير والتغيير .. وهل ممكن التغيير .. أساليب التغيير المتبعة ومناقشتها كلا على حدة .
الفصل الثاني : اتحدث فيه عن قوة الحب .. وهل الحب قوة وكيف يمكن ان ننمي الحب في قلوبنا وان نستثير الحب في قلوب الآخرين وادوات تنمية الحب ووسائلها .
الفصل الثالث : أبحث فيه بمجالات التأثير والتغيير بقوة الحب .. وقسمته إلى ثلاث أبواب .. الباب الأول : التأثير والتغيير بقوة الحب في مجال التربية . الباب الثاني التأثير والتغيير بقوة الحب في مجالا العلاقة الزوجية . والباب الثالث : التأثير ةالتغير بقوة الحب في العلاقات العامة والاتصال مع الاخرين وما هي مهارات وادوات وفنون التواصل مع الاخرين والتاثير بهم تأثيرا إيجابيا وكيف يمكنك ان تكسب حبهم وتحبهم .
إن قدرا قليل من الإدارة بالحب في البيت أو العمل أو في العلاقات كفيل بنزع فتيل الكثير من المشاكل والفتن والنزاعات والتي تؤدي إلى حروب طاحنة وأزمات عائلية ونفسية لها عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع
فلنجرب هذه الوصفة وسوف نكتشف كيف تغير طعم الحياة وتزيل اللون الأسود من أمام عيوننا وتبدأ الاشراقة تعلو محيانا ونبدأ من جديد نكتشف حلاوة الحياة ونتذوق السعادة ونحلق كما الطيور الجميلة والتي تعبر الأفق الرحب من أمامنا يوميا مع اشراقة الفجر وهي تغرد مستفتحة يومها بالأمل ومستعينة به على العمل .
فلنكن من أهل الحب والعطاء من اليوم ..بل من الآن