ادمان
يقف أمامي بوجهه الغامض، يقترب مني بهدوء، يرمقني بنظرة حادة، يحقن أحلامي بجرعة مورفين. ثم يمضي.
يتحطم شعاع النهار وراء أقنعة الشتاء، أمضي معه ببطء، وتختبئ سعادتى فى إحدى زوايا وحدتي، أغمض عينيي، فتداعبني ظلال الأشجار القاتمة عبر الزجاج وهي تتراقص كشياطين سوداء. وشعرت بشيء يدغدغ عنقي.
كانت قبلة صغيرة كفراشة طائشة، حلقت معها للحظات عالياً، ثم انحنيت أبحث عنها في الأسفل. وأسقط بين أحضانه الشائكة.
قلت له:
-هذا جنون.
أجابني:
-وهل هناك أصدق من الجنون؟.
سافرت معه في رحلة ضياع طويلة، كنت أتخلص من مبادئي واحداً تلو الآخر، لأخفف من عبءٍ يجلد روحي بسياط الممنوعات، وبدأت ببيع جسدي، وبعض ما تبقى من مشاعري، لينطفئ وهج السنين التي أمضيتها معه.
ازدادت أعراض الادمان مع مرور الوقت، شرود، هذيان، عينان شاردتان بخيال قادم من ليل كانوني بارد.
تحول لقائي به لحكاية يسردها البحر يومياً على مسامعي. الحب والغدر،الاضطراب والهدوء، كلام ينتهي عند صمتي، ليصل بي حدَّ الجنون.
تجرعت من كلماته أوهاماً كبيرة، عبرت مسام جسدي، اخترقت الحواجز الممنوعة في عقلي، حولتني لغصنٍ ربيعيٍ طريٍ بين يديه.جعلتني أدمن صعود قمم القصور الرملية، أعشق اعتلاء العرش الناعم، وأطوف مع قيثارة الليل الطويل.
صورت مستقبلي كحمامة بيضاء تطير من دون توقف، أعلو مع هديل صوته الحاد، وأهبط عند توقف أنفاسه الباردة.شقت أحلامي كوردة الصخر الحمراء، جعلتني أميرة النساء، بفستان حريريٍّ أبيض، وجدائل طويلة، وحقيبة من القش الملون.
هكذا تخيلت نفسي، وأيقنت أنَّ هناك غداً آخرَ بانتظاري.
وحين أردت العودة، ضاعت أفكاري بين الطرقات المتعرجة الشائكة.
عدت إليه أستجدي صراخه وغضبه، أدفن لحظات عمري في مقبرة صمته الطويل، وبقيت أنا والطريق وحيدين، نخاف من العتمة، وحين اشتعل وهج الفجر، ازداد خوفي، بكيت طويلاًعند شرفة عينيه، أطفأت لهيب احتراق شموعِ أملٍ بدأ ينبضْ، استلقيت على فراشي، أحمل أعبائي، أعبث بدقائق الزمن لتمضي دون خوف، وأهرب من كل شئ
حين قال لي بازدراء:
- انتهت مهمتك.
وما زال المخدر يسري في شراييني كجائع متمرد، يشق طريقه بين أعصابي المتورمة من كثرة الأحلام، خيط واحد يصلني بالحياة بعدما انقطعت في مسيرتي الطويلة معه.
بدأت أتحدى صراخ أوردتي لجرعات أخرى، على وقع انكسار أوهامي، وأستفيق من غيبوبة النشوة.
لأبدأ من جديد.
المفضلات