للورقة ثمن



صففتها أمامي .. هي أوراق بيضاء مجدولة..لا يطغى على عناوينها سوى لون السواد..

نظرتُ في أسفلها وإذا برقمٍ عريض قد اشغل تفكيري وحساباتي.

ثلاثة أرقام ..,. بينهم فاصلة صغيرة(,) تعبًر عن آخر انجازقمت به في مستوى تحصيلي

الدراسي في المرحلة الجامعية.

هي مرحلة وجيزة بين (الإدراك واللاإدراك) عندما كنت أحمل مجموعة من الكتب

والمراجع والمحاضرات , واذهب في الصباح الباكر.. وأرى مجموعة من الشبًان

يسيرون أمامي كلما وقفت سيارتي أمام إحدى إشارات المرور.. أتساءل حينها .. لماذا

لايعملون؟ وماذا سيستفيدون من أوقات الفراغ التي تُهدر سُدى .. وطني بحاجة إلى أيدٍِ عاملة

فأين أنتم من ذلك؟!

لو أنني مكانكم لفعلت كذا وكذا وكذا؟!!!

هي عبارات رَددتها كثيرآ.. بينما مازالت شهادتي الجامعية تقبع في درج(( حضرة عميد الجامعة))

ومازال أمامي هدف الحصول عليها..فكنت مفعم بالحيوية والنشاط والأمل والمثابرة.

كنت لاأعير اهتماما لتلك الأحاديث والمجالس التي تتبادل موضوع البطالة ومكاتب العمل

.. وألقي باللوم هنا وهناك دون أي معرفة تامة بجوانب الموضوع ومسبباته وسبر أغوار المشكلة

والقراءة عنها أو حتى خوض تجربتها شخصيا , فأنت لاتستطيع حينئذٍ إطلاق الحكم الصائب

بل مجرد فقاعات لأراء قد تتلاشى في يومٍ ما.

وبالطبع هذا ماحدث .. عندما أمسكت بورقتي الغالية ونظرت للرقم الذي سألني عنه الصغير قبل الكبير

أدركت حينها أن لذلك الرقم بُعد و(([أي بعد])) هوبُعد ذا قيمة في نفسك تشعر حينها أنك ملكت الدنيا

ومافيها وان مدى سعادتك لايوازيها سعادة وانك في القريب العاجل سوف تحصد ثمرة جهدك وستشعر

بقيمة تعبك طيلة السنوات التي مضت.. سنوات من عمرك محسوبة في ثلاثة أرقام بينهم فاصلة صغيرة

(( معدل)) سهرك,نومك,جهدك,تعبك,عطاءك,تواصلك تقدمك, تأخرك, تقصيرك, غيابك, حضورك..وستشعر

حينها أن الحمل الذي حملته على عاتقك قد انزاح في لحظة إمساكك بتلك الورقة الثمينة!!

حفظتها في خزانتي وكأنني أحتفظ بمجموعة من المجوهرات الثمينة.. عملت العديد من النسخ! زاحمت

الصفوف , حاربت اليأس والخوف وعملت من سيرتي الذاتية عشرات النماذج

وقمت بإرسالها على مئات الإيميلات.تذكرت حينها سيل القذائف التي كنت أوجهها لتلك

الفئة من هم على شاكلتي !! عندما أيقنوا تمامآ ان قيمة الأرز في وطني أغلى

بكثير من شهاداتنا الجامعية !! فأين المفر؟!!



همسة صغيرة في اذن كل عاطل وعاطلة:


لا تحّاول أن تعيد حَساب الأمٌس وما خِسرت فيّه ...فالعُمر حيِن تسُقط أوراقه لن تَعود مرة أخـّرى...

ولكـّن مع كل ربيُع جديّد سوّف تنبت أوراق أخٌرى...فأنٌظر إلى تلك الأوراق التي تغطي وجهه السماء ...

ودعك مٌما سـٌقط على الأرضّ فقٌد صٌارت جزاء منِها