(الحلقة الخامسة والأخيرة)
بعد أن استفقت من غيبوبتي الثانية فتحت باب غرفة الضيوف وجلست محاولا إخفاء قلقي وتوجسي من هذه الزيارة وقد فعلت ما فعلت ولا سبيل لإنكار ما اقترفته يداي بحق الوطن من تآمر وخيانة وترويج لشائعات كاذبة والنيل من هيبة الدولة ومحاولاتي المشبوهة في إضعاف الحس والشعورالقومي وتوهين عزيمة الأمة (يا إلهي ما هذه الأمة التي يوهنها نقرة على "أعجبني" في الفيسبوك،أو صرخة من أجل الحرية! ماهذه الهشاشة التي وصلت إليها الأمة وما السبب يا ترى؟؟)وتخريب الاقتصاد و الاعتداء على الثوابت القومية والوطنية والتشكيك بالدور المقاوم والممانع والمتصدي للسلطة في مواجهة القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية والإمبريالية والإرهاب العالمي ......... إلى آخر هذه القائمة من التهم التي تنتظرني حالا وحتما، بادرني أحدهما قائلا مهدئا من روعي وكأنه لاحظ اضطرابا في كلامي أو اصفرارا في وجهي :
لن نطيل عليك كثيرا فقط بضعة أسئلة!
أجبته محاولا المحافظة على رباطة جأشي وتوازني ولكن هيهات هيهات!: تفضل ما الأمر؟
قال: هل تعرف فلان؟ قلت في نفسي يا إلهي! إنه جاري وماذا يريدون منه هل هو الآخر ناشط خطيرعلى الفيسبوك مثلي, وقرروا اعتقالنا سوية؟ ثم تتابعت الأسئلة عن عمله وأفراد أسرته وأصدقائه وأخلاقه وهل له مشاكل و.......ثم طلبا مني ألا أخبره بهذه المقابلة, ثم اعتذرا مني ثانية وودعاني وانطلقا. وتركاني وأنا بحالة من الذهول أتصبب عرقا باردا! للوهلة الأولى شعرت بشيء من الاطمئنان وأنها مجرد دراسة روتينية عن جاري يقومان بها, إلا أني لم أطمئن تماما حتى أخبرت جارى فورا رغم تأكيدهما أن أكتم الخبر عنه، فأجابني لا تقلق أنا أعمل في مركز حساس وهذه الدراسة يجرونها بشأني عدة مرات في السنة!!!!!
يا إلهي!! هل يمكن أن يودي الجبن والخوف بالانسان لهذه الدرجة من البؤس وشلل التفكير؟ لدرجة الاعتقاد أن رجل الأمن على كل شيء قدير وأنه بكل شيء عليم!!أستغفر الله وأتوب إليه، سبحانك ربي إن الجبن لذنب عظيم.
أخيرا لا أريد أن أتمثل بالنعامة وأقلل من قوة الأمن وهيمنته وسيطرته، حيث مارس وما يزال أبشع وأقذر وسائل البطش والإرهاب ضد معارضيه, لكن فرق كبير بين الخوف والحذر والأخذ بأسباب الحيطة, وبين الجبن والاستسلام لمخاوف وهمية نصنعها بأيدينا ثم تأتي الظروف ووسائل القمع لتعمقها وتضخمها, لتجعلنا أناسا مسلوبي الإرادة مسيرين للآخرين عاجزين عن أي فعل حر كريم.
كما أريد أنوه أيضا إلى أن هذا الكم الهائل من التشويه المتعمد لشخصية المواطن العربي, والذي استمر سنين عديدة نتيجة القمع والتنكيل, قد زال فجأة خلال أيام من بداية ثورة الشباب, حيث واجهوا الرصاص الحي بصدورهم العارية بشجاعة لا تصدق، أذهلت العالم وأخجلت الجبناء والمترددين, ونفضت عن الأمة غبار الجبن والذل والهوان, فالشكر كل الشكر لهم بعد الشكر لله.
ويحضرني في هذا المقام قول الصحابي الجليل خالد بن الوليد سيف الله المسلول وهو على فراش الموت: " لقد شهدت كذا وكذا مشهدًا وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، أو رمية سهم، وها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير، لا نامت أعين الجبناء". انتهى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقلم :: مواطن تعرض لجرعة زائدة من القمع وما زال يعاني شيئا من الجبن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقوق النشر محفوظة لكل الأحرار السورين شرط نشرها كاملة دون تعديل.
المفضلات