فى مثل هذا اليوم، وعلى إثر نشر مقالى عن الرئيس «المخلوع»، عقد اللواء طارق المهدى مؤتمراً صحفياً نفى فيه التصريحات المنسوبة إليه والتى أكدت أنه طالب الإعلام، بالتوقف عن وصف حسنى مبارك بـ«الرئيس المخلوع». وقبيل عقد المؤتمر الصحفى بساعات، تلقيت اتصالاً تليفونياً من اللواء المحترم، استهله بالقول «أنا المواطن طارق المهدى»، وكان الرجل ودوداً للغاية، والأهم أنه كان حريصا على تكرار تأكيد احترامه لحرية التعبير، مضيفاً أنه اتفق مع ممثلى الفضائيات الخاصة على صياغة وثيقة تخدم هذا الغرض، وتم قطع خطوات عملية على هذا الطريق من بينها تكليف الزميل الإعلامى المرموق يسرى فوده، بكتابة مشروع للوثيقة كأساس لنقاش مجتمعى جاد.

ومن حق «المواطن» و «اللواء» طارق المهدى أن نوضح موقفه، وهو على كل حال موقف يبعث على الارتياح.
لكن هذا الارتياح لا يمنع استمرار القلق العام إزاء وضع الإعلام المصرى ومستقبله بعد 25 يناير.

فغنى عن البيان أن «الثورة» لم تصل إلى هذا المجال بعد، ومازالت القواعد والضوابط الحاكمة للإعلام قبل25 يناير هى القائمة بعد «خلع» الرئيس السابق حسنى مبارك.
بل إن الأوضاع ازدادت تعقيداً بعد 25 يناير، حيث أصبح استدعاء الصحفيين والإعلاميين إلى القضاء العسكرى.. أحد المستجدات.

وقد أشرنا فى مقالنا السابق إلى ثلاثة معوقات رئيسية كانت ومازالت مؤثرة سلبا على الإعلام وحرية التعبير، هى القيود المفروضة على حرية إصدار الصحف وإنشاء القنوات الإذاعية والتليفزيونية، وترسانة القوانين المعادية لحرية التعبير وفى مقدمتها المواد القانونية التى تجيز الحبس فى قضايا النشر، والافتقار إلى قانون للمعلومات.

يضاف إلى ذلك أن الإعلام يشهد «ثورة مهنية» حقيقية فى العالم المتقدم، كنتيجة مباشرة لثورة المعلومات. ونتيجة لذلك اتسعت الفجوة بين الإعلام المصرى والإعلام العالمى بصورة رهيبة، وهو الأمر الذى يطرح على جدول الأعمال قضايا ملحة من بينها «الإعلام الجديد» بكل ما يتعلق به من توابع مهنية وقانونية وأخلاقية.

وليست الجوانب «النقابية» معزولة عن ذلك كله، لأن الأوضاع القائمة حالياً لم يعد من الممكن استمرارها على ما هى عليه. حيث نقابة الصحفيين الوحيدة الموجودة هى بنت عالم قديم لم يعد له وجود.
أما بقية وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة فقد ظلت محرومة من التنظيمات النقابية أصلاً لسنوات وعقود، وهى بالكاد تبدأ مرحلة البحث عن آليات نقابية ملائمة.
وهذه مسائل مهمة لأن النقابات هى المسؤولة أساساً عن تطوير المهنة والدفاع عن مصالح المشتغلين بها.

ولو أن هذه النقابات كانت موجودة، بالصورة الصحيحة التى تضمن استقلاليتها وفعاليتها وتمثيلها الحقيقى للمنضوين تحت لواء مهنة الإعلام، لما رأينا كثيراً من السلبيات التى تتصدر المشهد الآن.

وخلاصة ما تقدم هى أن الثورة لم تصل بعد إلى مجال الإعلام. وأن وصول الثورة إلى الإعلام ليس مجرد شعارات وهتافات فى ميدان التحرير أو فى بهو ماسبيرو والمؤسسات الصحفية، وإنما يتطلب الأمر تغييراً جذرياً فى الأدبيات الحاكمة للإعلام المصرى، كما يتطلب إعادة الاعتبار إلى قواعد المهنة، ويتطلب استيعاب التغيرات الكاسحة التى طرأت على الساحة الإعلامية فى العالم، وكان من بين تداعياتها وضع ما يسمى بـ«السيادة الإعلامية» بين قوسين، حيث أصبح عقل المواطن معرضاً لـ«هجوم إعلامى» من كل حدب وصوب، من الخارج والداخل على حد سواء.

وفى ظل هذه «الثورة» التى يعود الفضل الأول فيها للتكنولوجيا، والتى لا يمكن لأحد التحكم فيها، أصبح السؤال الكبير المطروح علينا هو: كيف يمكن قيادة سفينة الإعلام المصرى وسط أنواء أجندات السياسة من ناحية وعواصف سيطرة رأس المال، المحلى والأجنبى، من ناحية ثانية.

الإجابة عن هذا السؤال ليست مسؤولية اللواء طارق المهدى بقدر ما هى مسؤولية الجماعة الصحفية والإعلامية المصرية.
صحيح أن «الشاطرة تغزل برجل حمار».. لكن هذا كان قبل ثورة المعلومات والمعرفة.