لم أستغرب يوما لانتشار البلطجية وقطاع الطرق والانفلات الأمنى الذى أصاب البلاد عقب ثورة 25 يناير وذلك لظروف وقتية، ولم أستغرب أبدا عندما أسير مترجلا فى بعض الشوارع ولم أجد رجل الشرطة حتى الآن، بالرغم من مرور وقت طويل على الثورة، وإنما استغربت عندما كنت شاهد عيان على مسجل خطر يشهر السلاح على كوبرى ناهيا بالجيزة ويثير الرعب، والخوف فى قلوب المواطنون، تخرج الألفاظ النابية من فمه كالطلقات النارية تهتك آذن الأطفال والنساء الذين يسيرون فى الشارع، يخلع ثيابه تارة لكشف عورته أمام المارة ويجرى وراء المواطنين تارة أخرى بيده سكين يصطدم رأسه فى حافة الكوبرى ويصرخ بأعلى صوته "من النهاردة ما فيش حكومة إحنا الحكومة"، لم أدر كيف عرف أنه لا توجد حكومة بالفعل مع أنه كان فى حالة سكر شديدة ولم تشاهد عيناه خلو الشارع من الشرطة.

الوقت يمر وأصوات الأطفال بالبكاء ترتفع لتهتك الصمت الذى خيم على الليل يخالطه صراخ النساء، إلا أن هذه الأصوات لم تجد بعد من يستجيب لها أو حتى يسمعها، لم أدر بنفسى إلا وأصابع يدى تضغط الهاتف المحمول وطلبت أحد قيادات مديرية أمن الجيزة وأطلعته على الأمر برمته وطلبت منه سرعة التصرف وإرسال سيارة شرطة على الأقل لتهدئة المواطنين والقبض على البلطجى الذى روع أمنه، فأكدت أنه على الفور سيتم اتخاذ اللازم.

فضولى الصحفى جعلنى لا أترك المكان حتى أطمئن فمكثت فى مكان من بعيد أترقب الوضع وأنتظر سيارة الشرطة، إلا أن الانتظار طال وبدأ المواطنون يسيطرون على البلطجى تماما، بينما لم تظهر سيارة الشرطة ولن تظهر.

تذكرت المقولة المعروفة للزعيم سعد زغلول "ما فيش فايدة" وبدأت أتحرك من مكانى، إلا أننى لمحت سيارة شرطة بالفعل تسير على نفس الكوبرى نحو تجمع المواطنين، ولكنها للأسف لم تتوقف بالرغم من أن المشهد يوحى بأن هناك كارثة، وما أن تجاوزت السيارة المواطنين واقتربت منى حتى بدأت أشير لها بيدى حتى تتوقف وأطلعهم على الأمر، لكن سائقها لم يعبأ بذلك، وكأن رجال الشرطة كرهوا دخول الجنة فلم يعملوا بقول النبى صلى الله عليه وسلم "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس فى سبيل الله" وبدأ سيل من الأسئلة يتدفق فى عقلى أبرزها، هل مدير أمن الجيزة اللواء عابدين يوسف يعلم أن قسم شرطة بولاق الدكرور مقصر؟ وإذا كان يعلم ذلك فلماذا لا يتحرك حتى الآن هل ينتظر أن تراق الدماء حتى يتحرك؟ أم أنه لا يعلم شيئا عن هذا الأمر برمته؟ فإن كان يعلم فتلك مصيبة وإن كان لا يعلم فالمصيبة أعظم.