أدهشتنى حيرة الجميع وهم يفكرون ما الحل الآن لكى ينصلح حال البلد؟ الكل يتساءل ما العمل والاقتصاد يعانى؟ ثم زادت الحيرة أكثر وأكثر لدى الجميع وعلى رأسهم المجلس العسكرى الموقر وهم يتساءلون كيف نُرضى الجميع فى بلد لم يعتد أهله منذ عقود أن يكونوا جميعهم سعداء، والآن وقد انكسر حاجز الخوف أصبح الكل يعبر عن ضيقه. ثم بدأت حيرتى أنا أيضاً وأنا أرى مشهدا يوميا متكررا لمئات من الناس ينتظرون بالساعات أمام مخزن لأسطوانات الغاز "مغلق". لم أعتد هذا المشهد قبل الثورة، على الأقل لم يكن يومياً، هل طالب الثوار بأن تزيد معاناة الناس؟ أعتقد أن الحلم كان أسمى من ذلك بكثير.

زادت دهشتى بعد ذلك عندما رأيت كما يرى الملايين مثلى أن الحل بسيط، لا أعرف لماذا يصر المجلس العسكرى على أن "منع" المظاهرات الفئويه هو خير وسيلة لمنعها؟، لا أعلم لماذا تصر حكومة الثورة على أنه ليس هناك حل لمشاكل الجميع؟، لا أعلم لماذا تصر النخب السياسية على أن تتصرف وكأن أهم ما يشغل بال الملايين الآن هو الدستور أولاً أم الانتخابات؟ مايشغل بالهم حقاً هو هل يأتى اليوم الذى يجد فيه الجميع وظيفة ملائمة ومسكن كريم، يخرج الشاب المصرى إلى النور ويقضى عمره ولا يحلم يوماً أن يملك سيارة أو أن يشغل باله بشىء غير رغيف الخبز أو ألا تكون أساسيات الحياة رفاهية بالنسبة له، فما الحل؟

الحل فى كلمتين يا سادة "عدالة اجتماعية"، قد يقول البعض نعم هذا ما طالب به الثوار فى التحرير وغيره، فما الجديد؟ الجديد هو أن الكثيرين كادوا أن ينسوا ذلك تماما، نعم المجلس العسكرى وحكومة الثورة والأحزاب والنخب والنشطاء جميعهم تناسوا أهم ما طالب به الشباب الغلبان قبل أن ينالوا الشهادة وهم يثورون على الفساد، كيف ينتهى الفساد والموظف المطحون مضطر أن يمد يده للرشوة لكى يحلم أن ينعم بالعيش الكريم، كيف لا يلعن الفقير الثورة والثوار ويقول كل يوم "كانت البلد أحسن والحرامية ماسكينها"، وهذا ما سمعته بنفسى، كيف لا وقد ازداد فقراً ولم يحاول أحد أن ينتبه له ولحاله؟ لماذا تهتم حكومة جاءت بعد ثورة قام بها المقهورون من الفقر باستقبال وضيافة بضع مئات فى حوار وطنى أكثر من اهتمامها بملايين يعيشون فى المقابر؟ لماذا يخرج المئات من النخبة فى مظاهرة لتطهير الوسط الرياضى ليتشاجروا مع من يتظاهر من أجل الدستور أولاً، ولا يتحدث أحد عن تطهير مياه الشرب فى العشوائيات؟ لماذا يتحدث الإعلام عن انشقاق شباب الإخوان عن قيادتهم ولا يتحدث عن إيجاد حل للشباب الذى ينشق من جلده ووطنه ثم يموت غرقاً على شواطئ أوروبا وهو يحاول الهروب من الفقر؟ لماذا يكون راتب بضعة آلاف بالملايين وراتب الملايين بالملاليم؟ لماذا نصبر خمس سنوات لكى يصبح الحد الأدنى للاجور بالكاد يكفى الآن أسرة من فردين، فما بالك بعد خمس سنوات؟ هل من الصعب حقا أن تتحقق العدالة الاجتماعية فى بلدنا؟ أليست هى الحل لكى لا تكون هناك ثورة غضب ثانية وثالثة؟ لا يمكن أن يظل الفقير فى فقره وقد ضحى المئات منهم بأرواحهم وفقد الآلاف أعينهم من أجل حياة عادلة.

لا نريد العدل الذى يقضى أن يسكن الرئيس فى قصر لأنه القائد، والوزير فى فيلا لأنه من النخبة، والغفير فى عشة لأنه فقير، نريد العدالة التى تعلو فوق كل شىء، اهتموا بالفقير أولاً، ارحموا البسطاء الغلابة وأنفقوا عليهم، لبوا مطالب العمال المساكين والموظفين المعتصمين، فكروا فى حل لساكنى المقابر والعشوائيات، فكروا فى طريقة لتوفير فرص العمل للشباب العاطل، بعدها سوف يؤمن الجميع بأن الثورة قد نجحت وأن الفساد قد انتهى.