بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأحرار إنها حرب صليبية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:-
فإن الأحداث تتسارع بطريقة غير مسبوقة يرى الناس فيها خيرا كثيرا مصحوبا بشر كثير، ليس دخنا فحسب بل دخانا كثيفا قد يغطي ضوء الشمس فلا تبدو الصورة بأبعادها وقد تخفى الحقيقة فيصعب إدراكها لكن الأمة لا تجتمع على ضلالة ولا تزال طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى تقوم الساعة.
لقد صبّح حلفاء الشر ليبيا المسلمة بفجر أوديسا الذي يدل على الدمار والخراب، واتفقوا على أن تكون المناسبة هي ذكرى بداية الحرب على العراق، مساء يوم 19/3 ليلة 20/3، لكن بقيادة الإفرنج هذه المرة، بطريقة مقصدها تعمية الحقيقة بتقية غربية لكنها ليست غريبة، إنها فتنة جديدة وبلية عظيمة.
لذا فإن الرجوع إلى الكتاب والسنة في مثل هذه الأوقات ضرورة ملحة، والعبادة في الهرج كهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أعظم العبادة هداية الخلق إلى طريق الحق، بل إن الهداية أعظم من النصر والرزق، وإن إنكار المنكر –الشرك والكفر وما دون- محكوم بأمور لا يشرع بدونها، منها أنه لا يجوز إنكار المنكر بأشد منه وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبني على الاستطاعة والقدرة، فمن لم يستطع تغيير المنكر فلا يحل له مخالفة شرع الله بهدف التغيير، بل عليه الصبر حتى يأذن الله تعالى فيفرج الهم وينفس الكرب وهو على كل شيء قدير، قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) في صحيح مسلم عَنْ أَبي سَعِيدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ]. وأن الأمر بالمعروف يجب أن يكون بالمعروف وأن النهي عن المنكر يجب أن يكون بالمعروف.
إن أشد الصور حزنا في الحرب على ليبيا تسميتها بغير اسمها إذ يسميها من دبرها حربا صليبية ويسميها المستضعفون مساعدة إنسانية وفتحا مبينا وخيرا يحتاج إلى شكر المنعم والمعين.
أيها الإخوة الأكارم:
لا تنسوا إن نسي غيركم أن الغرب لم يتحرك لنجدتكم وإنما تحرك لمصالحه وحسب، وليس للثوار معنى في قاموسه إلا كفرصة لابد من استغلالها، وإن مجرم الحرب ساركوزي الذي يظهر التأييد للثوار في ليبيا حاول مساعدة بن علي ضد ثوار تونس لكن لم يسعفه الوقت إذ أصبح بن علي هاربا خارج البلاد، ودعايته الانتخابية مولها القذافي بحسب قول ابنه ولم ينف ذلك، والغرب هو الذي دعم الديكتاتوريات في المنطقة بل صنعها، ولم يكن لنظام ديكتاتوري أن يطول شأنه لولا دعم هؤلاء الشياطين، واليوم يريدون تصدير الديمقراطية ويحققون الحرية!، إنهم سيحققون حرية الرصاص والفساد وسيجلبون لكم الديمقراطية التي صدروها للعراق وأفغانستان.
أيها الشعب الأبي:
إن الذي يحرك دماء الغرب هو النزعة الإجرامية والغريزة الاحتلالية والصليبية الاستعمارية والصهيونية العالمية وليس لنداءاتكم أذن صاغية، أوَ تظنون أن الغرب يأتي بأبنائه لنصرتكم؟! وقد رأيتم كيف تصرف تجاه إخوانكم الفلسطينيين والعراقيين والأفغان وغيرهم، أحرق الأخضر واليابس ولم يغادر شرا وظلما وعدوانا إلا فعله، واستباح الأعراض والحرمات، قتل هذا الغرب ومشاريعه التابعة له أكثر من مليون عراقي وهجروا ما يقرب من تعداد سكان ليبيا بكاملها، أكثر من خمسة ملايين عراقي داخل البلد وخارجه، ودمروا بنيتة التحتية، وسرقوا نفطه وأمواله، وحولوه إلى بلد مخيف مريض فاسد جاهل، وخربوا نسيجه الاجتماعي وأثاروا النزعة الطائفية بل صنعوها صناعة ودعموها بقوة، ولم يتركوا كفاءة علمية ولا بيتا آمنا ولا حرمة مصانة، شردوا العلماء والكفاءات وحرقوا المساجد والجامعات، وقتلوا المصلين في البيوت والمساجد بالاستهداف المباشر وقد رأيتم ذلك بأم أعينكم، وهم نفسهم من يقتل الأبرياء والمدنيين في أفغانستان وباكستان، ويتسترون على الصهاينة رغم حروب الإبادة التي فعلوها مرارا وتكرارا، أفهؤلاء ينصرونكم؟!!
أوَ تتخيلون أن الغرب يعرف معنى للإنسانية تجاهكم؟! إنهم لا يعرفون حقوقا للإنسان إلا في بلادهم وعندهم باقي البشر ليسوا بشرا، فالعراقيون والأفغان ليسوا بشرا عندهم، أفأنتم تختلفون؟!!
إن ساركوزي قمع الذين يعيشون في فرنسا بنفسية حاقدة وعنصرية بشعة لما طالبوا بشيء من حقوقهم كبشر، وأمريكا اعتقلت الذين تظاهروا في واشنطن ضد الحرب على العراق بعد مضي ثماني سنين، أفهؤلاء يضمنون حقوقكم أيها الناس؟!! إنها سلفنة جديدة لاحتلال أثيم، واليوم ساركوزي بدلا عن بوش الأصغر، وما هو إلا تبادل أدوار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لقد قالوها صريحة ودونما خفاء أو حياء إنها حرب صليبية، بل إن وزير الداخلية الفرنسي يمدح رئيسه لقيادته الحرب الصليبية على ليبيا وتحشيده مجلس الأمن والجامعة العربية والاتحاد الإفريقي لها، ولن يكلفوا أنفسهم بالقول إنها زلة لسان هذه المرة كما حصل مع بوش الأصغر!!
إن هؤلاء الأشرار لم يتحركوا لاحتلال بلدكم إلا بعد ضمان من يدفع الفاتورة وهو كالمعتاد العرب ونفط العرب كما حصل في احتلال العراق، لكن زاد العرب بعض الطائرات ومجموعة من الجنود، فالغرب مساكين لا يملكون مثل طائرات العرب!! إنها الخطة الصليبية لتمزيق الأمة وإلا ما قيمة الطائرة والطائرتين وما الدور البطولي الذي ستقوم به مجموعة من الجنود الذين لم يشهدوا حربا في حياتهم؟ وما ذاك إلا كمشاركة بعض العرب في حرب أفغانستان كي يكرّهوا العرب لذلك الشعب المسلم البطل.
وهم يعدون العدة لحرب طويلة وذات مراحل ويؤكدون أنهم لا يستهدفون العقيد القذافي!! ففي رأيكم أيها الشعب الليبي الأبي من يستهدف هؤلاء؟
إنهم يجهزون خطة لتقسيم ليبيا بعد أن انتهوا من تقسيم السودان واليمن بانتظار رحمة التقسيم الغربية، والمسلسل مستمر!!.
أيها الشعب الحر:
لقد تخطى الأشرار واحدا من أخطاء الحرب على العراق إذ أنهم خرجوا بقرار من مجلس الأمن، فأين المجلس عن العراق وأفغانستان بل أين قراراته حول القضية الفلسطينية، أوَ قُتل منكم أكثر من الفلسطينيين؟ أم أن أرضكم أغلى عند أهل الحرية من فلسطين؟ لِمَ لم يحركوا ساكنا تجاه أهل فلسطين فاكتفوا بتشريع الاحتلال الصهيوني وبقيت القرارت حبيسة الأدارج وأزكمت رائحة عفونتها أنوف العرب، يذهبون إلى المجلس والأمم ولا يرجعون حتى بخفي حنين كالأيتام على موائد اللئام بل جردوهم من خفافهم ليكونوا خفافا.
إن النتيجة واضحة كالشمس في رابعة النهار وهي احتلال طويل الأمد لليبيا وتدميرها وتقسيمها ولفط نفطها وثرواتها لعقود قادمة ولا يهمهم من يحكم، بل من يؤمن مصالحهم، ولن يغير من موضوع الاحتلال وحكمه ما سبق من تصرفات العقيد، ولا موقف الجامعة العربية العتيد، ولا زلات بعض العلماء الذين وقعوا في الشطط العظيم إذ أرادوا إثبات شرعية الاحتلال لأنه بموافقة الجامعة!!! سبحان الله، مشرّع جديد غير الله ورسوله يحل الحرام ويحرم الحلال، أوحي بعد رسول الله يا فضيلة الشيخ؟ والله إنها لمن فواقع الدهر، وإن تشريع الاحتلال أسوأ من الاحتلال نفسه لأنه تحليل لأعظم المحرمات وقتل لروح الجهاد والمقاومة وتبرير لتدمير البلاد وقتل العباد، وعسى أن تكون الشعوب المسلمة أكثر وعيا وإدراكا وأحسن عملا.
وأمر عجب أن يفرق بعض الناس بين القصف الجوي والتدخل البري، فما هو الفرق أيها الإخوة؟ إنه تلّعب من الشيطان ووسوسة ليس عليها برهان شرعي أو عقلي يفرق بين القوات الجوية والقوات البرية في قضية القتل والعدوان والاحتلال، ثم يقول العدو إن القصف والحظر الجوي لن يمنع من قتل المدنيين فلا بد من قوات برية، ونحن نعلم رفضكم هذا، فإن فعلوا ماذا تقولون؟
أيها الإخوة:
إن وضع غطاء الشرعية على احتلال بلادكم مجازفة تاريخية وخطيئة دينية وستعلمون ذلك عاجلا غير آجل، وقد رأينا فرحكم ببداية عدوان الكفار وبعض الإخوة يشيرون بعلامة النصر على آليات دمرتها قوات الاحتلال، فما هو النصر الذي حققتموه في هذا إخوتاه، إنما هو انتصار الصليب.
إن التجارب تقول إن من يقاوم المحتلين هو الذي سيذكره التاريخ بالفخر والاعتزاز، وإن المقاومة الفلسطينية تعمل منذ عقود لتحرير بعض البلاد ولم تنجز عملها إلى الآن، أفيضيع بلد بحجم ليبيا مرة واحدة، والمقاومة العراقية منذ ثماني سنين لم تكمل تحرير البلد رغم إنجازاتها الهائلة، فما أنتم فاعلون؟.
إننا نعلم بيقين مدى معاناة المظلومين ولسنا ممن يزايد على شرفاء ليبيا وأخيارها وعلمائها وشعبها الكريم، لكننا نقول ما قلناه إبراءا للذمة وأداءا لواجب النصيحة والسعيد من اتعظ بغيره.
إننا نستنكر أشد الاستنكار قتل المدنيين والأبرياء ونستنكر مثل ذلك هذا الاحتلال الإجرامي لليبيا المسلمة وندينه أشد الإدانة وندعو شعبنا الليبي البطل الشجاع إلى التصدي بكل الوسائل لهؤلاء المحتلين، وليذكروا طائفة من أبنائهم الذين رووا أرض الأفغان والعراق بالدماء الزكية فاليوم بلدهم يتعرض للحرب الصليبية الغربية.
كما ندعو إلى مبادرة من الطرفين تضيّع الفرصة على الأعداء وتحقن بها دماء الأبرياء، بضمانات حقيقية ووسطاء مرضيين عند الطرفين، وليضع كل طرف مصلحة ليبيا وصيانة دينها وحرمة دماء أهلها فوق كل اعتبار.
اللهم احفظ ليبيا وشعبها وأصلح بين أهلها واجمع كلمتهم على الحق والخير، وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفضلات