يقول :
جلست الى احد الحكماء و اسندت ركبتى الى ركبتيه و تماما كما يفعل التلميذ المبجل لاستاذه أصبغت وجهى بحمرة ورديه وهدأ صوتى وبدأ حديثى بحواشى تبرهن قلة علمى وكيف احتار دليلى وأخيرا دخلت فى الموضوع ل، من فضلك أخبرنى: كيف أعامل النساء؟
كنت انتظر الاجابة على عجل لكنى اعلم ان عادة الحكماء اطالة الصمت و التفكير فى السؤال حتى و ان كان بسيطا و الاجابة عليه حاضره ، لكن فى حالتي استبدل الحكيم صمته بابتسامه خفيفه ازدادت شيئا فشيئا الى ان تحولت الضحكه عريضه لم اعتدها منه ، و قطع ضحكته ببضع كلمات : إنك ما زلت صغيرا يا عزيزي .

ثم استأنف الضحك وهدأ شيئا فشيئا لكن الابتسام لم يختفى من شفتيه
سمعت كلماته التى لم تكن باجابه لسؤالى فهاجت حفيظة صدرى والت وردية وجهى الى حمرة داكنة وكدت افقد زمام نفسى لولا انى تذكرت انى فى حضرة حكيم ، وانا تلميذ على ان اتحلى بالادب و الوقار . ألجمت لسانى ومنعت صوتى من الارتفاع إلا انى لم أملك ضبط نبرة صوتى التى افشت عن ضيقى لهذه الكلمات وقلت له :
انى أبلغ من العمر ثلاثة عشر عاما .
ضحك ثانية وكـأنى أمازحه لكن سرعان ما احس بإصرارى على معرفة الإجابة وبمدى حاجتى إليها ، هنا و كأى حكيم دخل مرحلة من الصمت و التفكير وساد بيننا هدوء ارتاحت له نفسى واحسست معه بقرب الإجابة .

انقطع الصمت وبدأ الحكيم بالكلام : احضر لى كأس من زجاج ، و انائين أحدهما به ماء والاخر به زيت .
أوقفتنى دهشتى لطلبه بضع ثوانى ثم لم أملك إلا أن ألبى طلبه ، ثم عدت مسرعا.
أخذ الحكيم الكأس وصب به قدرا من الماء ثم قدرا من الزيت ، و أخرج من طيات ملابسه قارورة صغيرة بها سائلا أخضرا و وضع قدرا منه فى كأس الماء والزيت فإذا هما يمتزجان كأنما تعانقا بعد هجر وخصام، يا لها من وصفة سحرية لمزج الماء و الزيت لكن لم يكن طلبى مشاهدة تجربة علمية ، رفع الحكيم الكأس بما فيه فخفت أن يسألنى أن أحتسيه لكنه لم يفعل بل تركه يهوى الى الأرض فانكسر ونالت ملابسى كما لا بأس به من المزيج العجيب و أدركت أن بانتظارى عقابا شديدا من والدتى الحبيبة حين اعود .
كل هذا و لم أفهم شيئا مما جرى و لا أعى له أى علاقة بسؤالى ، كدت أنسى أنى جئت أسأل : كيف أعامل النساء ؟
لا عجب فهذا دأب الحكماء ، يفكرون كثيرا ، يتكلمون قليلا ، و يكثرون من الافعال الرمزية التى تفهم خطئا فيصفهم الجهلاء بالجنون .
لن أخطىء فهم مافعل لربما له علاقة بسؤالى و لابحث الان عن اجابتين ، اجابة لسؤالى الاول و اجابة اخرى لهذه الافعال .

لأتحلى بمزيد من الادب وشىء من الصبر.
أعذرنى أيها الحكيم لم أفهم شيئا مما فعلت جئت أسأل : كيف .....
أشار بيده ان اصمت لم انسى سؤالك ، وعاد الى صمت لكن ليس كسابقه لم يكن فى تأمل وانما كان فى حوار معى بعينيه أراد به ان يبث فى بفسى التأهب للاجابه لاستجمع لها كل حواسى و تفكيرى ، ثم قال: لم أكن لافعل كل هذا الا لاجيبك عن سؤالك .
· كيف ؟
· تمهل ودعنى أوضح لك
· لكى تعامل النساء على خير ما يرام عليك بماء و زيت و سائلا كذلك السائل الاخضر لمزجهما معا و كأس يحويهم.
· أما الماء فهو رمز الرقة ، و أما الزيت فيرمز الى القسوة، والسائل الاخضر انما هو الحكمة ، و الكأس هو الصبر ، ولكل امراة قدر من الرقة و القسوة يقاس بالخبرة
· و حذار ان تعدم الحكمة فلا يمتزج الماء بالزيت ، أو ان ينفذ صبرك وينكسر كأسك فيلوثك الماء والزيت وتلقى عقابا كالذى تنتظره من والدتك .