بذنبي وما يغفره الله أكثر
هـذا بِـذنْـبِـي ...
..
كانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها تُصدع ،
فتضع يدها على رأسها وتقول : بذنبي ، وما يغفره الله أكثر .
أي أنها ما تُصاب إلا بسبب ذنبها .
وهي بذلك تُشير إلى قوله تعالى :
(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ)
وحَـدّث عبيد الله بن السرى قال : قال ابن سيرين :
إني لأعرف الذنب الذي حُمل به عليّ الدَّين ما هو .
قلت : لرجل منذ أربعين سنة : يامفلس !
قال عبيد الله : فحدثتُ به أبا سليمان الداراني فقال :
قَـلّـت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون ،
وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندرى من أين نؤتى !
وكان إبراهيم بن أدهم - رحمه الله - يقول :
إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خُلق زوجتي ودابتي .
وهذا الإمام وكيع بن الجراح – رحمه الله – لما أغلظ له
رجل في القول دخل بيتاً فعفّـر وجهه ، ثم خرج إلى الرجل .
فقال : زد وكيعاً بذنبه ، فلولاه ما سلطت عليه .
أي لولا ذنوبي لما سُلّطت عليّ تُغلظ لي القول .
ولما استطال رجل على أبي معاوية الأسود
فقال له رجل كان عنده : مه ! فقال أبو معاوية : دعه يشتفي ،
ثم قال : اللهم اغفر الذّنب الذي سلّـطت عليّ به هذا .
هذا من فقـه المصيبة ، وهو فِقـه دقيق لا يتأمله كل أحـد .
فمتى أُصيب العبد بمصيبة لم ينظر إلى أسبابها وإلى ما هو
مُقيم عليه من ذنوب ، فقد نظر إلى ظاهر الأمر دون باطنه .
فينظر كثير من الناس إلى من أجرى الله على يديه تلك المصيبة التي
ما هي إلا عقوبة لذلك الذّنب ، ولولا ذلك الذنب لما سُـلِّـط عليه .
كما تقدّم في الآثار السالفة .
ينظر كثير من الناس إلى من باشر المصيبة ،
ومن أجرى الله على يديه العقوبة ، فينظرون
إلى الظالم فحسب ، فيلعنونه ، ونحو ذلك .
وينظرون إلى من تسبب في حادث سير
على أنه سائق غشيم ! لا يُحسن التصرّف ،
ولكن الناظر هذه النظرة يفتقد إلى تلك الشفافية
التي نظر بها السلف أبعد مما هو ظاهر للعيان .
وينظر الزوج إلى زوجته على أنها تغيّـرت طباعها أو
ساءت أخلاقها ، دون التأمل في الذّّنب الذي تسبب في ذلك .
كما تنظر الزوجة إلى زوجها على أنه تغيّر طبعه أو ساء
خُلُقـه ، دون النظر في الذنوب التي هي السبب في ذلك .
فكم نحن بحاجة إلى تلك النظرة الفاحصة
التي ننظر بها إلى ذنوبنا قبل كل شيء .
فإذا وقعت مصيبة أو نزلت نازلة أو ساءت أخلاق
من يتعامل معنا من أهلٍ وأصحاب وجيران
فلننظر في ذنوبنا الكثيرة : من أيها أُصبنا ؟
أمِنْ ارتكاب ما حرّم الله ؟
أم مِن تضييع فرائض الله ؟
أم مِن تخلّفنا عن صلاة الفجر ؟
أم مِن السهر المُحـرّم ؟
أم مِن إدخال ما حرم الله إلى البيوت
من صور ومعازف ، وغيرها من وسائل
تجلب الشياطين ، وتتسبب في خروج الملائكة ؟
أم مِن الأسفار المُحرّمـة . سعيا في الأرض فسادا ؟
أم مِن ضعف مراقبتنا لله عز وجل ؟
أم ... أم ... وتعـدّ وتغلـط في العدّ ...
مِن كثرة الذنوب العامة والخاصة .
أحببت تذكير نفسي وإخواني وأخواتي .
(وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ)
فرُحماك ربنا رُحماك
وعاملنا ربنا بلطفك الخفيّ
وعاملنا بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين .
المفضلات