أرنستو تشي جيفارا دي لا سيرنا
(14 مايو1928الى 9 أكتوبر1967) المشهور بتشي جيفارا هو ثوري كوبي أرجينتيني المولد، كان رفيق فيديل كاسترو. يعتبر شخصية ثورية فذّة في نظر الكثيرين. وهو شخصية يسارية محبوبة.

درس الطب في جامعة بوينيس ايريس وتخرج عام
1953، توجه بعدها إلى غواتيمالا ، حيث كان رئيسها يقود حكومة يسارية شعبية ، كانت من خلال تعديلات ، وعلى وجه الخصوص تعديلات في شؤون الارض والزراعة ، تتجه نحو ثورية إشتراكية. وكانت الإطاحة بالحكومة الغواتيمالية عام 1954 بانقلاب عسكري مدعوم من قبل وكالة الإستخبارات الأمريكية ، قد تركت لدى جيفارا رؤية للولايات المتحدة بصفتها الدولة الإمبريالية المضطهدة لدول أمريكا الجنوبية التي تسعى لتبني النظام الإقتصادي الإشتراكي.

قتل جيفارا في بوليفيا أثناء محاولة لتنظيم ثورة على الحكومة هناك، وتمت عملية القبض عليه بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية حيث قامت القوات البوليفية بقتله
. وقد شبّت أزمة بعد عملية اغتياله وسميت بأزمة "كلمات جيفارا" أي مذكراته. وقد تم نشر هذه المذكرات بعد اغتياله بخمس اعوام وصار جيفارا رمز من رموز الثوار على الظلم.
[
تحرير]

من مقولاته
·
إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة تُوجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا،· فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني.

·
الثورة قوية كالفولاذ،· حمراء كالجمر،· باقية كالسنديان،· عميقة كحبنا الوحشي للوطن..

·
لا يهمني اين و متى ساموت بقدر ما يهمني ان يبقى الثوار يملئون العالم ضجيجا كي لا ينام العالم بثقله على أجساد الفقراء.

·
ان الطريق مظلم و حالك فاذالم تحترق انت وانا فمن سينير الطريق.

·
لن يكون لدينا ما نحيا من أجله .. إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله.




لا يمكن بأي حال من الأحوال الحديث عن أي شأن من شئون أمريكا اللاتينية من دون الإشارة إلي أرنستو تشي جيفارا الثائر اللاتيني الشهير الذي ولد عام
1928 من عائلة برجوازية أرجنتينية, وأصبح أشهر' ثائر' في العصر الحديث, ورمزا للنضال والتحدي, وقدوة للشعوب التي تقاوم وتبحث عن حريتها, ولكنه ربما أصبح في السنوات الأخيرة أيضا بطلا أسطوريا غامضا يسعي الشباب إلي تقليده, وتبحث الفتيات عن فتي أحلام بمواصفاته!

درس جيفارا الطب في بلاده
, الأرجنتين, وتخرج من الجامعة في عام1952, وعرف عنه أنه قبل تخرجه من الجامعة طاف معظم دول أمريكا اللاتينية علي دراجته البخارية مع صديقه ألبيرتو جراندو, وشملت هذه الرحلة كلا من تشيلي وبوليفيا وبيرو وكولومبيا والإكوادور, وساعدته هذه الرحلة علي الاقتراب من مشاكل الناس البسطاء والتعرف عن قرب علي ما يدور في قلوبهم ومشاعرهم, إلي أن اختار بعد تخرجه من الجامعة العمل طبيبا للفقراء والمزارعين من أبناء بلده.

وبمرور الوقت
, وباستمرار اقتراب جيفارا من مشاكل شعبه, بدأ يدعوهم إلي الثورة والانتفاضة علي الظروف السيئة التي يواجهونها, وعلي رأسها الاستبداد والقهر والإمبريالية الرأسمالية.

وكان عام
1953 هو العام الذي بدأ فيه جيفارا تنفيذ أفكاره الثورية علي أرض الواقع, حيث ترك مهنته وعمله ليهاجر إلي كولومبيا ليتعلم من ثورة كانت مشتعلة فيها, وبعد ذلك ظلت الثورات في مختلف أنحاء دول أمريكا اللاتينية تجتذبه كما يجتذب الضوء الفراشات, فتوجه بعد كولومبيا إلي المكسيك, إلي أن تعرف هناك في عام1955 علي السجين السياسي السابق فيدل كاسترو, وأصبح منذ ذلك الحين' رفيقا' له, وهو ما جعل كاسترو يطلق عليه لقب' تشي' أو الرفيق, ودفعهما تطابق أفكارهما الثورية إلي التخطيط معا في المكسيك لقيادة ثورة لتحرير كوبا من حكم الديكتاتور باتيستا, وهو ما نجحا فيه بالفعل, حيث دخل جيفارا بمساعدة الثوار في كوبا العاصمة هافانا في أول يناير عام1959, وتبعه كاسترو مباشرة, في الوقت الذي هرب فيه باتيستا.

وحمل كاسترو رفيقه جيفارا علي الأعناق وقلده منصبا فريدا من نوعه وهو
' سفير متجول لنشر مباديء الثورة الكوبية في العالم', وبالفعل زار جيفارا العديد من الدول التي كانت ترضخ وقتها تحت نيران الاستعمار, ووجد ضالته المنشودة في دول عدم الانحياز, وفي تلك الفترة, التقي الثائر الأرجنتيني بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر وجواهر لال نهرو في الهند وأحمد سوكارنو في إندونيسيا, وتحالف مع غالبية أحزاب اليسار في العالم.

وبطبيعة الحال
, أقام جيفارا وكاسترو علاقات متميزة مع الاتحاد السوفيتي وقتها, ولكن صلابة رأي جيفارا وقوة شخصيته جعلته يختلف مع القيادة السوفيتية أكثر من مرة, بل ومع كاسترو نفسه.

وعرفت الأيام المظلمة طريقها إلي حياة الثائر المتفائل دائما
, ففشل في قيادة ثورة في الكونجو, كما فشل في فعل الشيء نفسه في بوليفيا, حيث اعتقلته الحكومة العسكرية هناك وقتلته وهو أسير لها, وكان ذلك في عام1967, وبكاه العالم وهو في ريعان الشباب.

وكان من أبرز ما قاله جيفارا من عبارات مأثورة
أحس علي وجهي بألم كل صفعة توجه إلي مظلوم في هذه الدنيا), و(أينما وجد الظلم فذاك هو وطني).

كما كان من أبرز ما كتب عنه في وطننا العربي ما قاله الشاعر أحمد فؤاد نجم في قصيدته
' جيفارا مات', وتناول فيها لحظة موته, والتساؤلات المثارة عن الطريقة التي قتلوه بها في أسره, وأجاب علي نفسه قائلا في نهاية القصيدة:

صور كتير ملو الخيال
... وألف مليون احتمال.

لكن أكيد ولا جدال
... جيفارا مات موتة رجال

لم يكن تشي جيفارا مفرطا في اهتمامه بالانتخابات كوسيلة للتغيير في دولة رأسمالية أو سلطوية
. ولكنه كان مهموما للغاية بتدبير الموارد المادية للثورة، وكيفية تمويلها. في مشهد يثير الرهبة من فيلم، "ارنستو تشي جيفارا، يوميات بوليفيا"، يظهر تشي كعضو في وفد كوبي مفوض في موسكو يتوسل من اجل الحصول على اعتمادات مالية لكويا. في الفيلم كان تشي جيفارا ذو الأربعة وثلاثين عام قادرا بالكاد على أن يعض على لسانه ويكتم سخريته الحريفة، المعروف بها، عن البيروقراطيين الروس، من اجل الحصول على تمويلهم.

كره تشي اتكال الثورة الكوبية على الاتحاد السوفيتي، واستمر في ابتكار وسائل أخرى للحصول على التمويل وتوزيعه
. ولأنه الوحيد الذي درس فعلا أعمال كارل ماركس بين قادة حرب العصابات المنتصرين في كوبا ، فانه كان يحتقر البيروقراطيين ومافيا الحزب الذين صعدوا على أكتاف الآخرين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية، وفي كوبا أيضا.

كشف آي اف ستون كيف انهمك تشي جيفارا في نقاش علني، أثناء مؤتمر في مدينة بونتي ديل استي بأورجواي مبكرا في
1961 - - وهو المولود في الأرجنتين حيث درس الطب هناك - - مع بعض شباب اليسار الجديد من نيويورك. أثناء تلك المناقشة، مر بهم اثنان من جهاز الحزب الشيوعي الأرجنتيني. لم يستطع جيفارا أن يمنع نفسه من الصياح بصوت عال، "هيي، لماذا انتم هنا، أمن اجل أن تبدءوا الثورة المضادة؟"

تشي، مثل كثيرون في الحركة الناشئة لليسار الجديد حول العالم، خاض تجربته الأولى مع بيروقراطية الحزب الشيوعي ومقت محاولاتهم لفرض بيروقراطيتهم على الحركات الثورية للسكان الأصليين
.

وفعلا، الثورة في كوبا صنعت، على عكس المفاهيم المعاصرة للكثيرين في الولايات المتحدة اليوم، مستقلة عن، وفي بعض الأحيان معارضة للحزب الشيوعي الكوبي
. ولقد أخذ بناء مثل هذه العلاقة التي لم يكن من السهل صنعها عدة سنوات فقط بعد الثورة ونجحت في اخذ سلطة الدولة وتأسيسها دافعة إلى الاندماج بين القوى الثورية والحزب - - الاندماج الذي لم يضع نهاية لمشاكل جيفارا والثورة الكوبية نفسها.

نستطيع تعلم بعض أشياء عن حالتنا في الولايات المتحدة اليوم بفحص توجهات تشي في أمريكا اللاتينية
.

احد المشاكل من هذا القبيل
: اعتماد كوبا المتزايد على الاتحاد السوفيتي (في بعض الأوجه يماثل الاعتماد المتزايد لبعض المنظمات الراديكالية على منح المؤسسات في صورة أموال ولوازم لولبية أخرى). ، قررت الحكومة، أثناء احتياجها اليائس للنقد من اجل شراء لوازم شعبها الضرورية - - وبعد نقاش مرير - - قررت أن تضيع فرصة تنويع الزراعة في كوبا من اجل التوسع في محصولها النقدي الرئيسي، قصب السكر، الذي يتم تبادله أمام البترول السوفيتي، لتستهلك جزء من هذا لبترول وتعيد بيع الباقي في السوق العالمي. وبالتدريج فقدت كوبا، بالرغم من تحذيرات تشي (والآخرين)، القدرة على إطعام شعبها نفسه - - وهي المشكلة التي بلغت أبعادا مدمرة بانهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991.

وهي نفس الأزمات التي أحدقت بالاتحاد السوفيتي والدول التي كان معترفا بها كدول اشتراكية عندما سعوا وراء النموذج الصناعي للتنمية وحاولوا أن يدفعوا ثمنه بالإنتاج والتنافس في السوق العالمي
. كان رد فعل تشي: لا تنتج من اجل السوق العالمي. ارفض تحليلات التكلفة/المنفعة ( cost/benefit) كمعيار لما ينبغي إنتاجه. آمن تشي، بان المجتمع الجديد حقيقة، عليه أن يجعل طموحه هو ما يحلم به شعبه من اجل المستقبل، وان يعمل على تنفيذه فورا، في كل أوان وزمان. وحتى تبلغ ذلك، على الثورات الشيوعية بشكل حقيقي أن ترفض معيار "الكفاءة"، وعليها أن ترعى المحاولات المجتمعية المحلية حتى تخلق مجتمعا أكثر إنسانية بدلا من ذلك.

اصطدم احتقار تشي لكهنوت الماركسية الرسمي
(بينما كان يعتبر نفسه ماركسيا)، واحتقاره للبيروقراطيين من كل لون، اصطدم بالنزعة الاقتصادية الميكانيكية المخدرة التي صارت عليها الماركسية. "الثورة"، عند تشي واليسار الجديد الذي يستلهم جيفارا، تقهقرت إلى خلفية الأجندة التاريخية.

أممية تشي وارتباطه المميز بالفقراء والمنبوذين في كل مكان، ورفضه الاعتراف بقداسة الحدود القومية في الحرب ضد إمبريالية الولايات المتحدة، ألهمت الحركات الراديكالية الجديدة في العالم كله
. نادى تشي الراديكاليين لنحول أنفسنا إلى شيء جديد، أن نكون أناس اشتراكيون قبل الثورة، هذا إذا ما كان مقدرا لنا أن يكون لدينا أمل في أن نحقق فعلا الحياة التي نستحق أن نعيشها. نداؤه "بان نبدأ العيش بطريقة لها معنى الآن" تردد صداه عبر الجيل بأكمله، فاتحا ذراعيه ليصل بدرجة كبيرة من ناحية إلى وجودية سارتر، ومن ناحية أخرى ممتدا نحو ماركس. من خلال الحركة، ومن خلال انتزاع مباشرة الثورة عن طريق الاشتباك مع الظلم بكل أشكاله، في كل لحظة، ومن خلال وضع مثاليات المرء فورا في الممارسة العملية، صاغ تشي من التيارات الفلسفية المعاصرة الرئيسية موجة مد من التمرد.

بالنسبة لتشي، القاعدة الماركسية الأساسية
: "من كل حسب قدرته إلى كل حسب احتياجه"، لم تكن ببساطة شعارا للمدى الطويل ولكنها ضرورة عملية ملحة يجب تطبيقها على الفور. العراقيل المضنية لتطوير بلد صغير (أو محطة إذاعية!!!!) طبقا لقواعد اشتراكية، وعلى الجانب الآخر، العراقيل الخاصة في سياق هجوم الإمبريالية الأمريكية المستمر (على شكل حصار ومقاطعة، وغزو، وتهديد بحرب نووية، وتحرشات اقتصادية وأيديولوجية)، كل ذلك كان يصارع ضد رؤية تشي وضيق اختيارات المجتمع الثوري لبدائل أحلاهما مر.

كثير من منظماتنا الآن، بمعنى من المعاني، تواجه نفس هذه
"الاختيارات" اليوم.

في خضم هذه الضغوط المتعارضة، حاول جيفارا وضع مقاييس مختلفة لكوبا، وللإنسانية عموما
. أدار جيفارا عملية توزيع ملايين الدولارات التي حصل عليها من الاتحاد السوفييتي، كوزير للمالية، على الفنانين، وعلى الفلاحين اللذين يعيشون في فقر مدقع، وهو أمر يعتبر في الولايات المتحدة، كما نقول عليه، "مخاطر شديدة التواضع".

استشاط البيروقراطيون الروس غيظا، مثل أي بنكير رأسمالي، من اتجاه جيفارا القائل بـ
"خذ ما تحتاجه، ولا تشغل بالك بكيفية سداده". فقد نبهوا فيدل بضرورة السيطرة على تشي وشددوا بضرورة اصدار لوائح لتنظيم التوزيع "الأمثل" للتمويل، وهو ما حدث بالضبط بعد عشرين سنة تحت حكم برجنيف، وفيما يبدو لم يتعلموا منه شيء، عندما جارت الدولة السوفيتية على بولندا لتسدد ديونها المتضخمة للبنوك الغربية، مسببة صعوبات واستقطاعات دفعت الطبقة العاملة البولندية لاتخاذ رد فعل تمثل في: تأسيس منظمة "التضامن" - Solidarnosc. فعلا، كان الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت أفضل صديق صادفه تشيس مانهاتن في عمره! وقد دفع بذلك الثمن النهائي.

في
1959، اكتسح رجال حرب العصابات، برئاسة فيدل كاسترو، هافانا واسقطوا الديكتاتورية العسكرية لفولجنسيو باتيستا. هذا برغم تسليح حكومة الولايات المتحدة وتمويلها لباتيستا ولعملاء الـ CIA داخل جيش عصابات كاسترو.

كان فرانك فيوريني، برتبة ليفتنانت في جيش العصابات، فعليا، واحدا من عملاء الـ CIA العديدين هناك. طفا اسم فيوريني على السطح بعد سنوات قلائل كأحد مخططي عملية خليج الخنازير لغزو كوبا، وبعدها بسنتين كواحد من "الأفاقين" الثلاثة الذين قبض عليهم في دلاس بعد لحظات قلائل من اغتيال الرئيس كنيدي وأطلق سراحه بعدها فورا (واحد من "الأفاقين" الآخرين لم يكن سوى عميل الـ CIA هوارد هانت)، ومرة اخرى كأحد الجناة المتورطين في عشرات من محاولات الـ CIA لاغتيال فيدل كاسترو.
ذاع صيت فيوريني تماما مرة أخرى في
1973 كأحد أفراد عملية السطو على مركز عمليات الحزب الديموقراطي في الفندق المشهور باسم ووترجيت، منتعلا اسم فرانك ستورجس. حقا، لقد دبرت العملية في وقتها المضبوط حين كانت جلسات استماع ووترجيت على وشك إثارة علامات استفهام جدية حول عملية خليج الخنازير وعمليات الولايات المتحدة السرية في كوبا، وفجأة تكشفت "بشكل غير متوقع" حقيقة وجود شرائط تسجيل سرية تخص البيت الأبيض. ومن هذه اللحظة، كل ما سمعناه كان هو: ماذا كان يعرف نيكسون ومتى علم به، أما الاستجوابات المعبأة بالانفجارات المحتملة والتي كانت على وشك كشف التاريخ السري لتدخلات الـ CIA الغير شرعية في كوبا، وتلك الخاصة بمقتل جون ف كيندي، ومحاولات اغتيال كاسترو، فقد تم تجنيبها بشكل فعال.

إلا انه وتحت هذا التهديد الدائم بالحرب من جانب الولايات المتحدة
- - حربا علنية بالإضافة إلى العمليات السرية التي لم تتوقف - - خطت الثورة الكوبية، بتحريض من جيفارا على وجه الخصوص، بعض من أكثر الخطوات جسارة في التقدم نحو "اشتراكية من طراز جديد".

قارن بين ذلك وبين الدول
"الشيوعية" سابقا، التي ضحت بالسمات الاشتراكية كيفما كانت الرؤية التي كانت لديها، من اجل توفير بيئة مرحبة بالاستثمار الرأسمالي، من اجل القدرة على التنافس في السوق العالمي. تشي، كرئيس لبنك كوبا الوطني، وهو يبحر ضد التيار كعادته دائما - - جعل ورق البنكنوت الكوبي مشهورا عندما كان يوقع عليه بكلمة "تشي". كان السؤال الأول الذي سأله تشي لموظفيه عندما تولى إدارة البنك، "أين تودع كوبا احتياطي ذهبها ودولاراتها؟" وعندما اخبروه، "في فورت نوكس"، بدأ مباشرة في تحويل احتياطي الذهب الكوبي لعملات غير أمريكية تم صدرها للبنوك الكندية والسويسرية. (1)

لم يكن اهتمام تشي منصبا على تطوير مؤسسات بنكية
"كمحلل" في كوبا، ولكن اهتمامه انصب على شيئين: محاربة الإمبريالية الأمريكية، مثل إبعاد ذهب الثورة من بين مخالب حكومة الولايات المتحدة (والتي كانت تستطيع بسهولة شديدة اختراع عذرا لمصادرته، كما فعلت بالممتلكات الكوبية الأخرى فيما بعد. كان تشي بعيد النظر في فهم أن هذه الأشياء قابلة للحدوث)؛ وعلى نفس مستوى الأهمية، اهتم بإيجاد سبل بناء وتمويل خلق إنسان اشتراكي جديد دون الاعتماد على الآليات الرأسمالية، التي فهم أنها سوف تنتهي بتدمير أروع الجهود. وضع تشي وجهة نظره بأروع ما يكون، والذي جري أيضا أنها أصبحت أفكار اليسار الجديد دوليا، في خطاب، "عن الطب الثوري":
"
لقد زرت لحد ما، كل بلاد أمريكا اللاتينية، ما عدا هايتي وسانتو دومينجو. وكانت الظروف التي أحاطت بترحالي، في المرة الأولى كطالب، وفيما بعد كطبيب، سببا في تعرفي عن قرب بالفقر، والجوع، والمرض؛ بالعجز عن علاج طفل بسبب الحاجة إلى المال؛ بظلام العقول الذي يخلقه الحرمان المستمر والمعاملة القاسية، لتلك الدرجة التي يستطيع الأب فيها أن يقبل موت احد أبنائه كأمر عادي غير مهم، كما يحدث غالبا في الطبقات السفلى في أمريكا موطننا الأم . بدأت وقتها إدراك أن هناك أشياء كانت في الأهمية بالنسبة لي مساوية لان أصبح عالما مشهورا أو مساوية لتقديمي مساهمة كبيرة في العلوم الطبية: أدركت أنني ارغب في مساعدة هؤلاء الناس.
"
كيف يمكن للمرء فعلا أن ينفذ عملا من اعمال الرفاه الاجتماعي؟كيف يوحد المرء المسعى الفردي مع احتياجات المجتمع؟

"
بخصوص مهمة التنظيم هذه، كما بالنسبة لكل المهام الثورية، الفرد بشكل جوهري هو الذي نحتاج إليه. الثورة لا تجعل من الإرادة الجماعية ولا من المبادرة الجماعية، كما يدعي البعض، معيارا واحدا قياسيا. على العكس، أنها تطلق موهبة المرء الفردية من عقالها. ما تفعله الثورة هو وضع هذه الموهبة على الطريق. وتصبح مهمتنا الآن هي وضع القدرات الإبداعية لكل أساتذة الطب على الطريق نحو مهام الطب الاجتماعي.
"
حياة الإنسان الفرد تستحق مليون مرة أعظم من كل ممتلكات أغنى أغنياء الأرض... الإحساس بالفخر لأنك خدمت جارك أكثر أهمية بكثير من مكافأة طيبة على العمل ذاته. والشيء الملموس أكثر والشيء الأبقى من كل الذهب الذي قد يجمعه الفرد هو امتنان الناس له.
"
يجب البدء في محو كل مفاهيمنا القديمة. يجب ألا نذهب للناس ونقول لهم، ها نحن قد جئنا‘. جئنا لنتفضل عليكم بوجودنا معكم، لنعلمكم علومنا، لنظهر لكم أخطاءكم، وحاجتكم للثقافة، وجهلكم بالأشياء الأولية‘. يجب أن نذهب بدلا من ذلك بعقل فضولي وروح متواضعة لننهل من هذا المعين العظيم للحكمة الذي هو الشعب.
"
فيما بعد سوف ندرك لمرات كثيرة كم كنا خاطئين في مفاهيمنا التي اعتدناها بحيث أصبحت جزء منا ومكون تلقائي في طريقة تفكيرنا. نحن في حاجة غالبا لتغيير مفاهيمنا، وليس فقط المفاهيم العامة، الاجتماعية أو الفلسفية، ولكن في بعض الأحيان الطبية أيضا.

سوف نرى أن الأمراض لا تحتاج دائما إلي طرق تدخل علاجية كالتي تستخدم في مستشفيات المدن الكبيرة
. سوف نرى أن الطبيب يجب عليه، على سبيل المثال، أن يكون أيضا فلاح ويزرع أطعمة جديدة ويحصدها، لرغبته في استهلاك أطعمة جديدة، وتنويع الهيكل الغذائي الذي هو محدود جدا، وفقير جدا.
"
إذا ما خططنا لإعادة توزيع ثروة هؤلاء الذين لديهم الكثير جدا لنعطي هؤلاء الذين لا يمتلكون شيئا؛ لو نوينا أن يصبح العمل مبدعا يوميا، مصدرا ديناميكيا لكل أسباب سعادتنا، فمن ثم نحن لدينا أهداف نسعى نحوها".
(2)

حب تشي للناس أخذه أولا إلى الكونغو ثم إلى بوليفيا، حيث نظم فرقة من رجال حرب العصابات لتكون، كما كان يتعشم، عاملا مساعدا على الإلهام بالثورة
.

ومن جديد كان على تشي يصطدم بالماركسية الرسمية
: دخل هو ورئاسة الحزب الشيوعي البوليفي في كفاح على قيادة رجال حرب العصابات. كان السؤال: "من الذي يجب أن يضع سياسة حرب العصابات، تشي ورجال حرب العصابات أنفسهم أم رئاسة الحزب الشيوعي؟" ذهبت أصوات رجال العصابات إلى جيفارا وربما كانت هذه هي المرة الوحيدة التي تورط فيها تشي في انتخابات. لم يسمح لأي فرد بالتصويت، ولا لهؤلاء الذين كانوا يقطنون وقتها في تلك المنطقة، على سبيل المثال، ولكن سمح فقط للناس المنخرطين بشكل فعلي في الكفاح. فور انتصار تشي على ممثلي الحزب الشيوعي في الانتخابات - - لم تكن انتخابات على الأفراد وفقط ولكنها كانت استفتاءا على استراتيجيتين ثوريتين مختلفتين اختلافا تاما - - هجر الحزب الشيوعي حركة العصابات.

هل كنا سنرى اليوم قرار تشي سليما لو أن الحزب الشيوعي لم يكن بهذه الصورة من القسوة، وعدم المسئولية والانغلاق المذهبي؟
(من ناحية أخرى، هل يمكن وجود حزب للطليعة ولا يتصرف بهذه الكيفية؟) لا زال السؤال يحوم فوق رؤوسنا: رجال العصابات مسئولين أمام من؟ من يضع إطار العمل؟
إجابة هذه الأسئلة ليست من السهولة بمكان
. في فيتنام، مثلا، وعلى عكس جيش جيفارا للعصابات، جيش جبهة التحرر الوطني كان يأخذ سياسته من المكتب السياسي للحزب، وليس العكس.

لم يكن الوضع هكذا مع جيفارا في بوليفيا
. علاقة المنظمات بالحركة الجماهيرية هي المشكلة التي تصيب دائما الحركات الراديكالية عند وصولهم إلى مرحلة معينة. المجموعة المؤتلفة – affinity group، على سبيل المثال تتحمل مسئوليتها أمام من؟أو في نفس الموضوع، الفنانون؟ وشبكات الإذاعة؟

من ناحية، اللا مركزية شيء جذاب، تسمح بأعظم استقلال ذاتي للمجموعة صغيرة العدد، وأعظم حرية للفرد، وأعظم إبداع. (كما يظهر مع محطة إذاعية يديرها فرد. رغم احتياج الفرد لوظيفة مدفوعة الأجر حتى يعول أسرته.) على الناحية الأخرى، لا يجب أن تكون الحركات الأوسع قادرة على تنسيق أنشطة الجماعات المحلية العديدة وفقط ولكن يجب أيضا ان تضع إطارا لحركة الجماعات الأصغر التي تنشد أن تكون جزءا من نفس الحركة من خلال استراتيجية تعاونية أوسع، وهكذا بمعنى خاص تقلص من استقلاليتها الذاتية.

فشل رجال العصابات، في بوليفيا، في أن يصبحوا جزءا من حركة اجتماعية متعددة الرؤوس قادهم إلى حتفهم
. كان جيفارا في أيامه الأخيرة في حالة يرثى لها من الحزن والسخط على عدم قيام الطبقة العاملة في المناجم بانتفاضتها، التي كان يأمل في أن يكون حافزا لها. (كان الحزب الشيوعي قوي النفوذ وسط عمال المناجم في بوليفيا) الانتفاضة كانت ستمنح رجال حرب العصابات تأثيرا أقوى كثيرا جدا. فعليا، تغلب عمال المناجم على تحفظ الحزب الشيوعي ودخلوا في إضراب، ولكنه كان صغيرا جدا، وجاء بعد فوات الأوان. اضمحلت العصابات، وتمنى تشي ولو مجرد مدد من 100 رجل؛ حيث أن مثل هذا الرقم فضلا عن كونه هزيل جدا (كما كان يعتقد) ألا ان الأمر كان سيختلف.

أن تلك القضايا قضايا جدية ومركبة وتنطبق على حركاتنا الاجتماعية اليوم
. الديماجوجية (خداع الجمهور بكلام حماسي) أو المواقف الخطابية المزايدة لا يساعدا في حل مثل هذه المواضيع. قد يساعد التحول في الموقف نفسه، إلى موقف يحاول عن وعي تطوير ثقافة ثورية ترى في نفسها أنها كذلك، وليست مجرد "وظيفة". لا يمكن التصالح بسهولة مع الطرق الملتوية. العالم أو على الأقل عالمنا يعتمد على هل نحن قادرون على حل (أو على الأقل العيش بـ) التناقضات المفروضة من داخله.

في بوليفيا صيف
1967، تم التقاط رجال حرب العصابات واحدا تلو الآخر. اجبر تشي والرجال الباقون، وبدون أي مدد إضافي بقوات ثورية، على التعامل مع الحقيقة، على الأقل في بوليفيا في تلك اللحظات، وهي أن استراتيجيتهم في العمل على تحفيز انتفاضة ثورية قد فشلت. ومع إرسال حكومة الولايات المتحدة، تحت رئاسة الديموقراطي ليندون جونسون، "مستشاريها" العسكريين والأسلحة للطغمة العسكرية البوليفية، أصبح الأمر مجرد مسألة وقت، اشهر قليلة، قبل أن يهزم الكفاح هزيمته النهائية ويتم استئصال رجال حرب العصابات بالكامل.

ليست الصورة الحقيقية لتشي هي صورته التي نراها في البوسترات المتوهجة، ولا في مؤلفات هوليوود ولا سير الستالينية الذاتية التي أظهرته كأحد القديسين، ولكنها صورة رجل نذر نفسه للفقراء في العالم كله، محاولا مع عصبة من الرجال المسلحين إشعال فتيل انتفاضة ثورية يقوم بها الفلاحون والعمال من اجل خلق حياة أفضل يعيشونها، صورة رجل يقابل إحباطا وراء الآخر، مع مصادفة بعض انتصارات قليلة بعيدا عن الانتصار الهائل للثورة الكوبية نفسها
.

نحن، في أمريكا، نصور الأبطال كاستثناء لكل ما هو معروف في العرف المعتاد، وبذلك ندعم اتكالنا على أسطورة البطل الفرد ونؤكد استمرار عجز الجموع
. في ثقافتنا، يعلموننا أن التغيير لا يحدث من خلال حركة الجموع ولكن بواسطة شخصية أخلاقية مستقيمة مفردة (انظر كيف يصورون اليوم الدكتور مارتن لوثر كينج أو مالكوم اكس)، ويكون هذا الفرد قادر على أن يستجيب النظام بشكل ايجابي له, نتيجة لوجاهة حجته أو حجتها.

يجب ألا نتعلق بهذه الأوهام
. الفلاحون البوليفيون الذين ما زالوا أحياء ويعيشون في نفس المناطق التي كانت مسرحا لعمليات جيفارا وعصبته رسمتهم فرشاة التاريخ بملامح واضحة. اكتشف صناع فيلم "ارنستو تشي جيفارا: يوميات بوليفيا"، أن كثير من هؤلاء الفلاحين لا يزالون إحياء، وصوروا مقابلات معهم. إنهم يعيدون علينا بشكل مؤثر رواية تجربتهم الكبيرة الوحيدة في العمر، لقاءاتهم بجيفارا.

تذكر البعض حنانه عليهم
. امرأة فلاحة كانت في 1967مراهقة صغيرة السن ولا تعمل بالسياسة، عرضت حياتها للخطر حينئذ لعنايتها بتشي وبطعامه في ساعاته الأخيرة. الآن وقد بلغت الخمسين من عمرها، تتذكر طيبة تشي ناحيتها، وكيف اثر ذلك بعمق على حياتها. من الواضح أن تشي، برغم أن أحدا في الفيلم لم يقل ذلك صراحة أو بكلمات كثيرة، كان يبدو في شخصية كالمسيح بالنسبة لهم، بل وحتى في نظر هؤلاء الذين خانوه أو حتى هؤلاء الذين أطلقوا عليه النار. وهذا يعتبر فقط تعليق على حالتنا الراهنة وهو أن المشاعر الإنسانية التي كانت وقت حدوثها أمرا عاديا تماما، تبدو في عالمنا اليوم، أمرا استثنائيا.

وكما قالها تشي، في أكثر عباراته ذيوعا،
"رغم خوفي من أن أبدو مثارا للسخرية، دعني أقول أن الثوري الحقيقي يهتدي بمشاعر حب عظيمة."

ولكن بالعودة إلى خريف
1967، دفع بتشي إلى دوامة الشك أكثر فأكثر. بدأ يراجع استراتيجيته التي اسماها "الفوكو- foco" في بوليفيا، والتي نجحت بشكل فعال جدا في كوبا.

صادف رجال حرب العصابات فشل التحاق الفلاحين بتمردهم، على عكس ما توقعوه
. وقد تسبب ذلك في انهبار الروح المعنوية لجيش العصابات، وفي انهيار حالة تشي الذهنية أيضا.

وقع تشي في الأسر وخضع للتعذيب وقتل في بوليفيا بمعرفة المخابرات المركزية الأمريكية في
9 أكتوبر 1967. ستة وثلاثون مرت منذ ذلك الحين. ولا زال الناس يتذكرون جيفارا، ليس كبطريرك من الزمن الغابر قلما يتذكرونه، ولكن كأحد الأشخاص الذين تجسد حياتهم روح الزمان عبر مسيرته. لقد الهم كثير من البشر العاديين لينذروا أنفسهم في سبيل رؤيتهم لعالم مختلف، بالرغم من الغطرسة البيروقراطية والقوة الهائلة التي عليها الإمبريالية الأمريكية، وضد كل الشرور.

تبدو مثل هذه الرؤية اليوم أنها خارقة، أن يكون سلوك المرء نابع من حبه للبشرية هو أمر لا يمكن تخيله في الولايات المتحدة اليوم، وهو ما يجعل التصرفات المعتادة في الأمس تبدو فوق قدرة الاستيعاب الآن
. إلا أن الناس تتصرف على هذه الوتيرة طوال الوقت. فقط نحن لا نراهم وهم يتصرفون، ولا ننقل عنهم. أن ذلك ما يجعلنا بشر في عصر الروبوت. أن هذا ما مكن ثورة بوليفيا الجديدة من أن تظفر واقعيا بسلطة الدولة، وهي ما أصاب حكومة الولايات المتحدة بالغم. فهذا أيضا جزء من ميراث جيفارا.

انه الأمل أيضا في أن يلهمنا ذلك بما يستمر بنا
"مثارا للسخرية"، من اجل نجاح نشاطنا الراديكالي الآن، بغض النظر من أين يأتي. بالنسبة للكثير منا، النتيجة النهائية لا تهم، ما يهمنا هو الطريقة التي نحيا بها، أن نحيا حياة ذات معنى.