.... من المهمات العظيمة معرفة العلامات الفارقة بين علماء الدنيا وعلماء الآخرة.

ونعني بعلماء الدنيا علماء السوء الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا والتوصل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها قال العلم والعلماء ‏"‏ إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه ‏"

وعنه العلم والعلماء أنه قال ‏"‏ لا يكون المرء عالماً حتى يكون بعلمه عاملاً ‏"‏
وقال العلم والعلماء ‏"‏ العلم علمان‏:‏ علم على اللسان فذلك حجة الله تعالى على خلقه وعلم في القلب فذلك العلم النافع ‏"‏
وقال العلم والعلماء ‏"‏ يكون في آخر الزمان عباد جهال وعلماء فساق ‏"‏
وقال العلم والعلماء ‏"‏ لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولتماروا به السفهاء ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم فمن فعل ذلك فهو في النار ‏"‏
وقال العلم والعلماء ‏"‏ من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار ‏"‏
وقال العلم والعلماء ‏"‏ لأنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال‏.‏ قيل‏:‏ وما ذلك فقال‏:‏ من الأئمة المضلين ‏"‏
وقال العلم والعلماء ‏"‏ من ازداد علماً ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلا بعداً ‏"‏
وقال عيسى عليه السلام‏:‏ إلى متى تصفون الطريق للمدلجين وأنتم مقيمون مع المتحيرين فهذا وغيره من الأخبار يدل على عظيم خطر العلم فإن العالم إما متعرض لهلاك الأبد أو لسعادة الأبد وإنه بالخوض في العلم قد حرم السلامة وإن لم يدرك السعادة‏.‏

وأما الآثار فقد قال عمر العلم والعلماء :‏ إن أخوف ما أخاف على هذه الأمة المنافق العليم‏.‏

قالوا‏:‏ وكيف يكون منافقاً عليماً قال‏:‏ عليم اللسان جاهل القلب والعمل‏.‏

وقال الحسن رحمه الله‏:‏ لا تكن ممن يجمع علم العلماء وطرائف الحكماء ويجري في العمل مجرى السفهاء‏.‏

وقال رجل لأبي هريرة العلم والعلماء :‏ أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه فقال‏:‏ كفى بترك العلم إضاعة له‏.‏

وقيل لإبراهيم بن عيينة‏:‏ أي الناس أطول ندماً قال‏:‏ أما في عاجل الدنيا فصانع المعروف إلى من لا يشكره وأما عند الموت فعالم مفوط‏.‏

وقال الخليل بن أحمد‏:‏ الرجال أربعة رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك عالم فاتبعوه ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذلك نائم فأيقظوه ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري فذلك مسترشد فأرشدوه ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه‏.‏

وقال سفيان الثوري رحمه الله‏:‏ يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل‏.‏

وقال ابن المبارك‏:‏ لا يزال المرء عالماً ما طلب العلم فإذا ظن أنه قط علم فقد جهل‏.‏

وقال الفضيل ابن عياض رحمه الله‏:‏ إني لأرحم ثلاثة‏:‏ عزيز قوم ذلك وغني قوم افتقر وعالماً تلعب به الدنيا‏.‏

وقال الحسن‏:‏ عقوبة العلماء موت القلب وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة
وأنشدوا‏:‏ عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ومن يشتري دنياه بالدين أعجب واعجب من هذين من باع دينه بدنيا سواه فهو من ذين أعجب

وقال العلم والعلماء ‏"‏ إن العالم ليعذب عذاباً يطيف به أهل النار استعظاماً لشدة عذابه ‏"‏ أراد به العالم الفاجر‏.‏

وقال أسامة بن زيد‏:‏ سمعت رسول الله العلم والعلماء يقول ‏"‏ يؤتى بالعالم يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيطيف به أهل النار فيقولون مالك فيقول كنت آمر بالخير ولا آتيه وأنهى عن الشر وآتيه ‏

وإنما يضاعف عذاب العالم في معصيته لأنه عصى عن علم ولذلك قال الله عز وجل ﴿‏إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ‏‏ لأنهم جحدوا بعد العلم وجعل اليهود شراً من النصارى مع أنهم ما جعلوا لله سبحانه ولداً ولا قالوا‏:‏ إنه ثالث ثلاثة إلا أنهم أنكروا بعد المعرفة إذ قال الله ‏﴿يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ‏‏ وقال تعالى ‏ ﴿فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين
وقال تعالى - في قصة بلعام بن باعوراء - ‏ ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ‏‏ حتى قال ‏‏ ﴿فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ‏ فكذلك العالم الفاجر فإن بلعام أوتي كتاب الله تعالى فأخلد إلى الشهوات فشبه بالكلب أي سواء أوتي الحكمة أو لم يؤت فهو يلهث إلى الشهوات‏.‏

وقال عيسى عليه السلام‏:‏ مثل علماء السوء كمثل صخرة وقعت على فم النهر لا هي تشرب الماء ولا هي تترك الماء يخلص إلى الزرع ومثل علماء السوء مثل قناة الحش ظاهرها جص وباطنها نتن ومثل القبور ظاهرها عامر وباطنها عظام الموتى‏

فهذه الأخبار والآثار تبين أن العالم الذي هو من أبناء الدنيا أخس حالاً وأشد عذاباً من الجاهل‏.‏

وأن الفائزين المقربين هم علماء الآخرة ولهم علامات‏:‏ فمنها أن لا يطلب الدنيا بعلمه فإن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها وكدورتها وانصرامها وعظم الآخرة ودوامها وصفاء نعيمها وجلالة ملكها ويعلم أنهما متضادتان وأنهما كالضرتين مهما أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى وأنهما ككفتي الميزان مهما رجحت إحداهما خفت الأخرى وأنهما كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعدت عن الآخر وأنهما كقدحين أحدهما مملوء والآخر فارغ فبقدر ما تصب منه في الآخر حتى يمتلىء يفرغ الآخر‏.‏

فإن من لا يعرف حقارة الدنيا وكدورتها وامتزاج لذاتها بألمها ثم انصرام ما يصفو منها فهو فاسد العقل‏.‏

فإن المشاهدة والتجربة ترشد إلى ذلك فكيف يكون من العلماء من لا عقل له ومن لا يعلم عظم أمر الآخرة ودوامها فهو كافر مسلوب الإيمان فكيف يكون من العلماء من لا إيمان له ومن لا يعلم مضادة الدنيا للآخرة وأن الجمع بينهما طمع في غيرم مطمع فهو جاهل بشرائع الأننبياء كلهم بل هو كافر بالقرآن كله من أوله إلى آخر فكيف يعد من زمرة العلماء ومن علم هذا كله ثم لم يؤثر الآخرة على الدنيا فهو أسير الشيطان قد أهلكته شهوته وغلبت عليه شقوته فكيف يعد من حزب العلماء من هذه درجته وفي أخبار داود عليه السلام حكاية عن الله تعالى ‏"‏ إن أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي يا داود لا تأسل عني عالماً قد أسكرته الدنيا فيصدك عن طريق محبتي أولئك قطاع الطريق على عبادي يا داود إذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً يا داود من رد إلي هارباً كتبته جهبذاً ومن كتبته جهبذاً لم أعذبه أبداً ‏"‏ ولذلك قال الحسن رحمه الله‏:‏ عقوبة العلماء موت القلب وموت القلب طلب الدنيا بعمل الآخرة‏.‏

ولذلك قال يحيى بن معاذ‏:‏ إنما يذهب بهاء العلم والحكمة إذا طلب بهما الدنيا‏.‏

وقال سعيد بن المسيب رحمه الله‏:‏ إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء فهو لص

وقال عمر العلم والعلماء ‏:‏ إذا رأيتم العالم محباً للدنيا فاتهموه على دينكم فإن كل محب يخوض فيما أحب

وقال مالك بن دينار رحمه الله‏:‏ قرأت في بعض الكتب السالفة إن الله تعالى يقول إن أهون ما أصنع بالعالم إذا أحب الدنيا أن أخرج حلاوة مناجاتي من قلبه‏.‏

وكتب رجل إلى أخ له‏:‏ إنك قد أوتيت علماً فلا تطفئن نور علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم في نور عملهم
وكان يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله يقول لعلماء الدنيا‏:‏ يا أصحاب العلم قصوركم قيصرية وبيوتكم كسروية واثوابكم ظاهرية وأخفافكم جالوتية ومراكبكم قارونية وأوانيكم فرعونية ومآثمكم جاهلية ومذاهبكم شيطانية فأين الشريعة المحمدية

قال الشاعر‏:‏

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب

وقال الآخر‏:
‏ يا معشر القراء يا ملح البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد

وقيل لبعض العارفين‏:‏ أترى أن من تكون المعاصي قرة عينه لا يعرف الله قال لاشك أن من تكون الدنيا عنده آثر من الآخرة أنه لا يعرف الله تعالى‏.‏

وهذا دون ذلك بكثير ولا تظنن أن ترك المال يكفي في اللحوق بعلماء الآخرة فإن الجاه أضر من المال‏.‏

ولذلك قال بشر حدثنا باب من أبواب الدنيا فإذا سمعت الرجل يقول حدثنا فإنما يقول‏:‏ أوسعوا لي‏.‏
ودفن بشر بن الحرث بضعة عشر ما بين قمطرة وقوصرة من الكتب وكان يقول‏:‏ أنا أشتهي أن أحدث ولو ذهبت عني شهوة الحديث لحدثت وقال هو وغيره‏:‏ إذا اشتهيت أن تحدث فاسكت فإذا لم تشته فحدث‏.‏


وهذا لأن التلذذ بجاه الإفادة ومنصب الإرشادة أعظم لذة من كل تنعم في الدنيا فمن أجاب شهوته فيه فهو من أبناء الدنيا‏.‏

ولذلك قال الثوري‏:‏ فتنة الحديث أشد من فتنة الأهل والمال والولد وكيف لا تخاف فتنه وقد قيل لسيد المرسلين العلم والعلماء ﴿ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً

وقال سهل رحمه الله‏:‏ العلم كله دنيا والآخرة منه العمل به والعمل طله هباء إلا الإخلاص‏.‏

وقال‏:‏ الناس كلهم موتى إلا العلماء والعلماء سكارى إلا العاملين والعاملون كلهم مغرورون إلا المخلصين والمخلص على وجل حتى يدري ماذا يختم له به‏.‏

وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله‏:‏ إذا طلب الرجل الحديث أو تزوج أو سافر في طلب المعاش فقد ركن إلى الدنيا وإنما أراد به طلب الأسانيد العالية أو طلب الحديث أو تزوج أو سافر في طلب الآخرة
وقال عيسى عليه السلام‏:‏ كيف يكون من أهل العلم من مسيره إلى آخرته وهو مقبل على طريق دنياه وكيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به لا ليعمل به
وقال صالح بن كيسان البصري‏:‏ أدركت الشيوخ وهم يتعوذون بالله من الفاجر العالم بالسنة‏.‏

وروى أبو هريرة العلم والعلماء قال‏:‏ قال رسول الله العلم والعلماء ‏"‏ من طلب علماً مما يبتغي به وجه الله تعالى ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ‏"‏

وقد وصف الله علماء السوء بأكل الدنيا بالعلم ووصف علماء الآخرة بالخشوع والزهد‏.‏

فقال عز وجل في علماء الدنيا ‏ ﴿وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً
‏ وقال تعالى في علماء الآخرة ‏"‏﴿ وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم

وقال بعض السلف‏:‏ العلماء يحشرون في زمرة الأنبياء والقضاة يحشرون في زمرة السلاطين‏.‏