قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ان الله خلق الخلق ، حتى اذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة ،
قال :نعم ، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب. قال: فهو لك".
رحم ومرحمة ،
يقول ابن فارس عالم اللغة العربية:
"الراء والحاء والميم أصل واحد يدل على الرّقة والعطف والرأفة ، ...والرحم علاقة القرابة ، ثم سميت رحم الأنثى رحما من هذا ، لأن منها ما يكون ما يرحم ويرق له من ولد".
كان العرب قبل الاسلام ينجدون الغريب ، ويعطون الغريب ، وقد يورثون الغريب ويضنّون على الرحم القريب . هكذا كانوا ، حتى كانت هداية القرآن ، فرقق قلوبهم على أرحامهم وعرّفهم أن لقرابة الرحم عليهم حقا: بل أولى الحقوق وأعظمها.
الرحم في شريعتنا قرابة الانسان ذكرا كان او أنثى ، وبذلك تتسع العلاقة التراحمية التي بدأت بالعلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة. للرحم واجب الصلة في ديننا ، والصلة معنوية ومادية ، وهي نوع من الولاية أقرها القرآن ، ونبه على حفظها ورعايتها: "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله". وكذلك حذر من قطعها ، لأن الناس في شريعتنا لا يقطعون أرحامهم: الا اذا فسدوا:
"فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم"؟
الرحم لها مكانة عند ربنا حرية بالمراقبة ، نرقب فيها تقوى الله سبحانه ، وحريّ بنا أن نتعاهدها فلا ننساها ونرميها وراء ظهورنا. كان العرب يسأل بعضهم بعضا "ناشدتك الله والرحم" عالمين بحق الله عليهم وبحق أرحامهم الا انهم قصّروا في حقهما ، فأشركوا بالله وقطعوا أرحامهم فذكرهم القرآن بهذا الحق ، فأنزل ربنا:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام" لعلهم يثوبون الى رشدهم ويرحمون المؤمنين من قرابتهم. لذلك كانت الصفة المميزة التي ذكرتها أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها لنبينا - عليه السلام - مطمئنة له لما نزل الوحي: "وانك لتصل الرحم". وذلك لأن العرب ما كانوا يفعلون وكان نبينا قبل الرسالة يفعل ، وكانت أم المؤمنين تعلم أن الله سبحانه لن يدع نبينا بفضل وصله لها ولرحمه أبدا.
فلماذا يقطع الناس أرحامهم بعد أن ولدوا في الاسلام وكبروا فيه؟ أفسدت القلوب لأجل التحاسد والتباغض ، وعلى أي شيء؟
كثيرة هي الأشياء التي تجمع الناس ، فلماذا يبحثون عما يفرقهم من سفاسف الأمر فيتذكرونها ، ويجعلونها سكينا يقطعون بها وشائج الود والرحمة؟
أتخاصمنا ، وطال الخصام فوق أيام ثلاث؟
اذن خيرنا الذي يبدأ بالسلام ، ويطفئ نار الغلّ ببرد تقوى الله وآصرة الأخوة. أأساء أحبابي فما أقبلوا على بابي زائرين؟
أبادر بالزيارة اذن وأصلهم ، "فليس الواصل بالمكافيء" - في ميزان ربنا - ولا أعين شيطانه عليه. أأصلهم ويقطعونني؟ اذن ، أبث شكواي وحزني الى الله ربنا الخبير بأحوالنا ، وأصلهم بكل ما يعتصر في القلب من ألم ، أرقب تقوى الله وصلة الرحم ، فيأتيني الجواب النبوي: "تذر في وجوههم الملّ يوم القيامة"،
أسوتنا في ذلك سيدنا يوسف وأخوته رموه في الجب وضيعوه سنين ، فلما أقبلوا عليه في مصر وزالت الغمة ما قال لهم الا : "لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر الله لكم ، وهو أرحم الراحمين"،
ونبينا حبيبنا محمد جاءه أهل مكة صاغرين في فتح مكة ، ليلقي عليهم بعباءة الأمن والأمان "اذهبوا فأنتم الطلقاء" فغدوا أخوة خالصين في الدين،
بقيت دقائق ثمينة من أيام شهرنا الفضيل ، لا يرفع فيها عمل المتخاصمين ، فهلاّ وصلنا أحبابنا وتجاوزنا عن أخطائهم ليرفع عملنا الصالح من صيام وقيام؟ هلاّ ضممنا الى صدورنا أخوة وأخوات لنا وأبناء عمومة وخالات فرّقنا عنهم حب المال والقيل والقال...ورمضان كريم.
المفضلات