أموال وأولاد العرب خير من مآذنهم
انتهى استفتاء الشعب السويسري في شأن بناء مآذن المساجد، لكي تنطلق صواريخ النقاشات و العبارات النّارية، بين المراقبين و المحلّلين على حد سواء.
وفي ظل هذا الزّخم، استنكر المسلمون في داخل سويسرا وخارجها، نتيجة 5. 57 في المائة التي أسفر عنها هذا الاستفتاء؛ فاعتبر المفكر طارق رمضان هذه النسبة "دليلا على تخوّف السويسريين من الإسلام" في حين أكدت وزيرة العدل السويسرية أنه "يجب أخذ هذه النّتيجة على محمل الحزم".
ذكر جنيف يعيد للذاكرة قضية "الآيات الشيطانية" لسلمان رشدي في 1989 ، كما يطرح ألف سؤال (paysage) حول جدلية حرية وحق التديّن في مقابل الحفاظ على النظام العام والمشهد العام.
فهل يشكّل هذا الاستفتاء و نتيجته، "آية" أخرى من "آيات" إيديولوجية الانفتاح والديموقراطية ؟
لماذا يُعنى المسلمون بالجدران بدل حقيقة بيت الله ! و هل كفّة أبناء الحكام العرب و بترولهم و أموالهم، خير عند الغرب من مئذنة قيل أنها "صاروخ لا ينطلق أبدا" ؟
حقيقة أنه "في البدء كان المسجد". كما بدأت هجرة المغتربين المسلمين إلى أوربا و الغرب من أجل لقمة العيش ثم الدراسة، و في ثناياها "تبليغ آية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم".
في سويسرا هذه المعروفة بتسامحها تاريخيا التقت أموال العرب ومغتربوهم و كذا أبنائهم، حيث كانت العاصمة جنيف السنة الماضية مسرحا لـ "تناطح" الثقافات و الحضارات؛ عندما احتجز جهاز الأمن إبن العقيد القذافي هو و زوجته على خلفية التحقيق. لكن سرعان ما نطقت لغة البترول والضغوط الاقتصادية من طرف الجمهورية الليبية التي هدّدت بتعامل خاص مع الشركات السويسرية و منع شركة الطيران السويسرية من استعمال المطارات الليبية.
و كانت فعلا لغة الاقتصاد أصدق أنباء من "الجدران"، حينما توجّه شخصيا الرئيس السويسري هانْس ريدولفْ ميرزْ إلى ليبيا للقاء القذافي و الاعتذار له و للشعب الليبي باسم الكونفدرالية السويسرية.
بهذا تكون "أكذوبة" العولمة قد أثبتت فشلها، حيث عجزت عن تذْويب الهواجس القابعة في داخل نفسية البشر. إذ لو سلّمنا بزوال الحدود بين دول العالم و حرية انتقال الأموال والأشخاص؛ فإنه مع ذلك "الشامي شامي و السويسري سويسري". أضف إلى ذلك أن عودة الشعوب إلى ظاهرة الدين و اتجاهها نحو الخيارات الراديكالية منذ بداية العشرية الأخيرة من القرن الماضي، أدى بالتو إلى سيطرة اليمين المحافظ على أغلب حكومات دول العالم. كل هذا كان وراء ظهور مجموع قضايا رائجة و معروفة، من قبيل : الحجاب، الكاريكاتيرات والأفلام المسيئة لنبي الرحمة، وها قد أبتكر الذكاء الغربي مسألة جديدة تسمى "المنظر العام"؛ في حين لا زال المسلمون "يراوغون" أنفسهم و يقولون : إن هؤلاء لا يعرفون الإسلام وحضارته العظيمة !
لكن ألم تكن 20 سنة ـ منذ 1989 ـ كافية لكي يعرف من يريد أن يعرف ؟
الظاهر أن أصحابنا متشبّثون بأوربا و لو "طاحت" صومعتهم ! ثم لو كانوا ـ حقيقة ـ يبلّغون الآية، فلما لا يفعلونه في أدغال إفريقيا !؟
المفضلات