الرجوع
أقف حائرة .
تبتعد الناس عني . تلاحقني نظراتهم باشمئزاز ، تسحقني كلماتهم المليئة بالاتهام
-أي ذنب اقترفت لأكون بهذه الصورة ؟
أردت إصلاح الأخطاء المتراكمة كهرم يمتد أعواماً طويلة
أعضاء لا تناسق فيها تختصر الخمول ، القبح ، بريق العيون الخافتة .
أجلس منزوية ، خجولة ، أطبق فمي على أسنان بارزة صفراء ، عيناي جاحظتان دون دهشة .
ليلة شتائية تعصف بأفكاري المجنونة ، تقطع المسافات ، تجتاز الحواجز الممنوعة . وحين تصل إلى روحي العطشى . تغمرها بجفاء . تتأرجح بين اللوحات المعلقة على جدران أنهكتها مزاريب المياه المالحة .
تتراءى ساحة الصراع أمامي كطيف دائري مكشوف . تصطدم السحب السوداء برؤوسها الفولاذية ، تتقاتل . للاستيلاء على مساحات شاسعة من الفضاء . تصدر شرارة قوية ، وهديراً ضخماً . فتتساقط الدماء قطرات ماء آزوتية لا لون لها .
تضرب صاعقة الارض بعنف ، تحيد عن هدفها ، حين لاحقت أشراراً يستولون عليها .
فقاعات الماء تطفو على سطح الحياة ، تدافع عن آخر رمق لها .
السماء حزينة لأجلي ، تواسيني بدموعها المتساقطة على ثيابي المبللة .
كانت أسرتي ذات شأن . أرفع رأسي بكبرياء عند ذكر اسمها أصفق لبطولاتها . أتغنى بماضيها الزاخر بالأموال والمناصب الكبيرة .
يتوقف الزمن عند السرير المرصع بالذهب ، السجاد الأحمر الممتد كبساط ربيعي
لا ينتهي ، الكؤوس الفضية المليئة بعصير الورد ، ثياب الحرير الشفافة التي تغطي جسدي النحيل لتخفي عيوبه ، صوت الخادمة الناعم وهي تقول :
-أمرك سيدتي .
إرث زاخر بالأمجاد ينتهي عند وجهي القبيح المغطى بمساحيق ملونة .
ترسم الريح خطة الحرب ، تسير بها نحو النصر ، تضع أهدافها المستقبلية ، تحمل شرارة النار ، تنقلها بين الشجيرات المتلاصقة ، تعصف بها ، تؤجج قوتها ، لتنهي أعواماً من الحياة .
يطبق الشر على كل شيء ، يحول لوحة الربيع الحالم لرماد محترق . قاتم . شاحب .
ساحة القتال تتسع لتحرق الأرض . دون امتلاك قدرة الدفاع عن نفسها .أو طلب العون ، تراوح مكانها. هي ضعيفة ، خائبة ، طيبة . لا تستحق العيش .
يراقب الرأس المخطط النتائج برضى . تتحقق مساعيه بتدمير الجمال ، وموت الياسمين . يلقي كاهله المثقل بالشرور علينا . تعبق بأنفي رائحة الاحتراق ، يشل تفكيري بفيض الأحلام المتناثر برقاً لامعاً في الفضاء .
أقود خطواتي بحثاً عن استقرار لا وجود له ، وخلود ينتهي أسفل اللحظة .
تستعر النار بقوة ، تحرق بعنف ، تستعين بحلفائها المستعدين دوماً لطلبها .
-لن أبقى عاجزة
تذوب شمعة النسيان على وقع موسيقى هدير الصواعق التي تزلزل التراب المتكدس أعلى الصخور حين تتماوج طافية فوق حمم منصهرة . وتسقط قدماي في هاوية عميقة ، حين تتأرجح الأيام بين فرح وحزن .
تخلى الجميع عني .
خطفوا حكايات الزمن ، أساطير الخيال ، معجزات السلاطين .
حللت الأحداث ، فككت الوقائع ،و
لم أصل للحقيقة المعاشة .
يشيح نظراته عني ، يحرق رغبة في أعماقي لكلمات الحب الدافئة ، وتسقط غريزتي تحت أقدامه ، يسحقها بجبن وقسوة ، يهمل أحاسيسي الرقيقة بداخلي .
تسطع ومضة من بعيد . تشرق على روحي كمنارة سفن قديمة بوهج خافت ، وتبرز وجهي المتصدع من وقع خطا الزمن عليه .
أعلنت بدء قيامتي من الجنون ، الحضيض ، قاومت تيارات الشر ، غصت أعماق الخوف. لأتعلم سر القوة الالهية المتجلية بالنار ، وما سر فمها الجائع لالتهام مساحات الخضرة والامل .
-لا مكان للضعف
تصحو أسلحتي من ثبات قديم ، تعطيني القوة لأدور مع دوامة الحياة ، أغالب وهماً اسطورياً عاش معي ، نما في سويداء قلبي ، عشت لأجله ، وكنت وفية لذكراه .
إنني موجودة هنا ، رغم أعاصير الازدراء والقرف . ومن إدراكي لكياني ، نهضت لأغدو حقل أمل أزرعه بالكفاح والعمل ليثمر سنابل قمح تعطي الخير من يحتاجها . بعيداً عن قصور الوهم وصراعات القوى الفارغة .
المفضلات