خمسة أصابع


أقف أمامه كطفلة خائفة تنتظر عقاباً قاسياً ، يداعبني بأصابعه ، ودخانه يحجب نظري المتعب من السفر في الضباب الأسود.
سجينة بين يديه ، أتنفس هواء مشبعاً بالخيبات ، أطارد حرية ترفرف فوق أغصاني المقلمة ، أتسلق هضاب الأماني ، فتوخذني أشواك غرسها بقسوة زمن القهر.
يقتحم حياتي بلهفة غريبة ، ينسج خيوط الألفة ، يكتب ميثاق الأمل على ورق
من ثلج ، فتذيبها حرارة أصابعه الملتهبة .
يقترب غضبه من وجهي ، يرسم وشماً بلون النار ، يزخرفه بنظراته الزرقاء الحادة ليقطع صمتي الطويل .
يريدني أن أصرخ من الألم ، وتنتفض روحي من الرعشة ، لتنهار مملكة أفكاري على ورقة بيضاء بأحاسيس مجنونة .
يسقط رأسي بعنفوان فوق كتفه ، يتهادى كدمعة رقراقة منعها الحياء من خط جدولاً ساخناً فوق خدي الشاحب ، تدور الأفكار في رأسي كالطواحين ، تتلاشى لصداع يضغط على مقلتين حائرتين خشية هروب دمعة أخرى .
تنقل رياح رغباته مآسي وحدتي ، تصب غضبها أسفل الصخور البحرية العنيدة ، وتتفتت على متنها أحلامي .
كم تحدثت مع نفسي ، غصت داخل أعماقي ، بحثت عن مصادر جبني وضعفي ، يرصفني حضوره بإسمنت الفشل ، يصوره أمامي بقعة سوداء لا تزول .
ما زلت أرضخ لإرادته ، أصمت عند إهانته ، أتودد لجلد سياطه الحديدية العنيفة .
تتوالى الصدمات فوق رأسي المغطى بشعر كثيف.
تغلق قضبان السجن ، نوافذ النور ، فتحات التهوية ، شعاع الأمل ، تنسج حولي ظلاماً يتسع كمجرة كونية بعيدة .
تثور أصابعه ، تتفجر قوة على وجهي الطري ، تجعل منه عجينة لينة يشكلها كيفما أراد .
يتأمل وجهي بقسوة ، ينخر جسدي بأشعة عينيه الغاضبتين .
ألملم الحكايات الحزينة ، أجوب أماكن الذكريات بين الشوارع الخالية الباردة .
تناديني الحرية تحت ضوء الشمس ، قناطر اليأس ، عرائش الليل ، فأعانق قضبانه ، وأعشق المدى البعيد .
أغوص داخل كهوف قديمة غارقة بالأسى .يهرب الفرح من فراغ أصابعه كحبات الرمال الذهبية ، يكرر مسكها ، ليفقدها مرة أخرى ،ترتجف عند دفء الميناء ، أمان الشاطئ ، حرارة اللقاء ، تقف كحارس الثلج ، يراقب تماوج وشاحي الأسود حين يتطاير مع أفكاري المبعثرة ، فتصل مرساها الأخير ، وتستريح قاع هضبة الحزن .