جفاف عين
رمضان أبو غالية
ذهبت يوماً لفحص عيني فأخبرني الطبيب أن عينيك جافة وتحتاج إلى دمع صناعي ولست أدري ودون تفكير مسبق حاولت أن أتذكر آخر مرة دمعت فيها عيناي ، قد لا يكون هناك ربط بين الموضوعين ، ولكن هذا ما حدث . وجدت من الصعب أن أتذكر ذلك فتحسرت على نفسي حسرات ... سبحان الله أيعيش المؤمن وقتاً طويلاً دون أن تدمع عيناه .. يا ويح نفسي هل يعني هذا أن عيني أصابهما جفاف لا دمع بعده .
ولو تدبرت حال نفسي وحال أمتي لما كففت عن البكاء ولترك الدمع جداول على خدي ولكن هيهات هيهات ، أنى تدمع عين والقلب غافل لا يشغله إلا تلبية رغبات النفس وشهوات البدن رغبات وشهوات لانهاية لها . ففي النفس كما قال ابن القيم رحمه الله : كبر إبليس وحسد قابيل وعتو عاد وطغيان ثمود وجرأة نمرود واستطالة فرعون وبغي قارون ووقاحة هامان وهوى بلعام وحيل أصحاب السبت وتمرد الوليد وجهل أبي جهل وفيها أيضاً حرص الغراب ورعونة الطاووس وعقوق الضب وحقد الجمل ووثوب الفهد وصولة الأسد وفسق الفأر وخبث الحية وجمع النملة ومكر الثعلب وخفة الفراش ولؤم الضبع غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك.
الرياضة والمجاهدة أمران عسيران إلا على من يسرهما الله له. الرياضة والمجاهدة تحتاج إلى أعوان وإخوان يعينون عليها .
وهكذا حال الإنسان قد يسدر في غفلته ونسيانه حتى تنبهه نازلة أو تصدمه مصيبة فيريد أن يعود ويتوب ويعقد العزم على ذلك وما هي إلا أيام حتى يعود إلى سابق حاله وينقض غزله أنكاثاً .
فهل من مذكر غير المصائب والنوازل ، هل من مذكر من الأحباب والإخوان يعهدك وتعهده كلما قصرت بك همتك مد يده ليرفعك إلى عل . وكلما أصاب قلبك ظلمة ذنب رأيت في وجهه نور الإيمان فاستحت تلك الظلمة وتضاءلت حتى توارت وامتزج النوران .
إن تذكرة المصائب والنوازل شديدة وقاسية لكنها سريعة الانقضاء لما جبل عليه الإنسان من نسيان واشتغاله بواقع الحياة أما تذكرة الإخوان فهي تتسلل إلى القلوب وتستقر فيها وكلما تجددت تجددت معها الحياة في ظل الإيمان وما عاد للجفاف مكان لا في القلب ولا في العين .
المفضلات