فضل ليلة القدر.. وزكاة الفطر

حجم الخط decfont | incfont


صورة 1 من 1 14a na 17507
تاريخ النشر: السبت 04 سبتمبر 2010

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر *وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (سورة ليلة القدر 1-5)، لقد شرَّف الله سبحانه وتعالى ليلة القدر بنزول القرآن الكريم فيها، فقد جعل لها سورة كاملة باسمها، كما جعلها خيراً من ألف شهر، حيث ظهر ذلك جليا من خلال السورة السابقة، نعم لقد نزل القرآن الكريم في ليلة مباركة كريمة هي ليلة القدر التي تتيه على الزمان كله بهذين الوصفين اللذين لم تحظ بهما ليلة غيرها من ليالي العام كله، وهما ليلة القدر كما في السورة السابقة، والليلة المباركة كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) (سورة الدخان الآية 3).
وقد شرَّف الله القرآن الكريم بأن جعل له ثلاثة تنزُّلات:
1- التنزل الأول للقرآن الكريم كان إلى اللوح المحفوظ ودليله قول الله سبحانه: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) (سورة البروج الآيتان 21-22).

adverttop300 Celebrities 300 Celebritiesadvertbottom
2- التنزل الثاني للقرآن الكريم كان إلى بيت العزة في السماء الدنيا والدليل عليه قوله سبحانه في سورة الدخان {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ}، وفي سورة القدر ( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وفي سورة البقرة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ)، (سورة البقرة الآية 185).
3- التنزل الثالث للقرآن الكريم هو المرحلة الأخيرة التي منها شع النور على العالم، وكان هذا النزول بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام يهبط على قلب الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم -، ودليله قول الله تعالى في سورة الشعراء مخاطباً سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم -: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ) (سورة الشعراء الآية 193-195).
وقد استغرق نزول القرآن الكريم ثلاثاً وعشرين سنة، حيث كان ينزل منجماً حسب الأحداث بخلاف الكتب السماوية السابقة التي نزلت دفعة واحدة.
ولقارئ القرآن ثواب عظيم حيث ورد أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال:
(الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان)، (أخرجه أحمد والطبراني في الكبير).
كما وردت أحاديث عديدة تبين فضل قراءته منها ما روى عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) ( أخرجه مسلم).
وكذلك قوله- صلى الله عليه وسلم -: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاقٌ له أجران) (متفق عليه).
كما وحذر عليه الصلاة والسلام أمته من هجر دستورها العظيم وسبب سعادتها في الدنيا والآخرة، حيث يشكو إلى ربه حال أمته في قوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)، (سورة الفرقان، الآية 30)، يقول ابن كثير في بيان المقصود بالهجر في الآية: ( وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره، من هجرانه)، (تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 3ص423).
إن لله تعالى مواسم خير ورحمة لا يعلمها إلا هو، وإن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها فإن الشقي من حرم رحمة الله عز وجل، ومن أجل ذلك كان على المؤمنين واجب الاجتهاد في الطاعة والعبادة عسى أن يوافق عملهم الصالح وقتاً من هذه الأوقات السعيدة ، فينالوا بها شرف الدنيا وثواب الآخرة.
ونحن في هذه الأيام نعيش في ظلال أيام مباركة هي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك حيث يجب علينا أن نغتنم فضل هذه الليالي المباركة، وأن نبادر إلى الجد والاجتهاد في العبادة فقد ورد عن السيدة عائشة – رضي الله عنها – قالت: ( كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) (أخرجه الشيخان ) ومعنى شد مئزره: الجد والتشمير في العبادة، وقالت أيضاً: ( كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها) (أخرجه مسلم).
كما أن هذه الليالي تشتمل على أفضل ليلة وهي ليلة القدر التي قال عنها – صلى الله عليه وسلم –:
 ( تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان ) (أخرجه مسلم).
ويقول صلوات الله وسلامه عليه: ( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه)، (متفق عليه)، وقيامها إنما هو إحياؤها بالتهجد فيها والصلاة والدعاء والابتهال وقراءة القرآن.
وهي الليلة التي تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من أجل كل أمر جليل عظيم قدره الله وقضاه، فيه سعادة البشرية في الدنيا والآخرة (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) فهي ليلة سلام ورحمة وخير للمؤمنين.
وقد أخفى الله ليلة القدر ليحث المؤمنين على الاجتهاد في طلبها وعلى إحيائها بالعبادة والطاعة، وقد اختلف العلماء في تحديدها فقد ورد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من شهر رمضان « وأرجى وقت تلتمس فيه ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان للأحاديث الواردة منها: قوله– صلى الله عليه وسلم – : «من كان متحريها فليتحرها ليلة السابع والعشرين»(أخرجه أحمد).
وما روي عن أبي بن كعب أنه قال:» والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان، ووالله إني لأعلم أي ليلة هي، هي ليلة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها لا شعاع لها» (أخرجه مسلم).
كما استنبط ذلك من عدد كلمات السورة فقال ليلة القدر تسعة أحرف وقد أعيدت في السورة ثلاث مرات وذلك سبعة وعشرون وهذا ما أخذ به الأكثرون.
وإذا هيأ الله للمسلم ليلة القدر فعليه أن يتبع ولا يبتدع وجزى الله نبينا خير الجزاء فقد أرشدنا إلى كل خير، فقد ورد أن عائشة – رضي الله عنها سألت - الرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام- قائلة يا رسول الله: إن علمت أي ليلة ليلة القدر ماذا أقول فيها..قال – صلى الله عليه وسلم – قولي: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني» (أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي ).
صدقة الفطر
صدقة الفطر واجبة على كل مسلم حر قادر على إخراجها سواء أكان صغيراً أم كبيراً ذكراً أم أنثى، حراً أم عبداً، فقد جاء في الحديث: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر، الذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة «(صحيح مسلم شرح النووي ج7 ص 60)، وقد فرضت في السنة الثانية من الهجرة في رمضان قبل العيد بيومين، وقد جاء هذا المعنى فيما روى ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات «(أخرجه ابن ماجه)، ويخرجها المسلم عن نفسه وعن من تلزمه نفقته كزوجته وأبنائه ومن يتولى أمورهم والإنفاق عليهم كالوالدين الكبيرين أو الأخوة القصر .. الخ ، ويجوز إخراجها من أول شهر رمضان ويستحب تأخيرها إلى أواخر شهر رمضان والأفضل إخراجها قبل صلاة العيد ليتمكن الفقير من شراء ما يحتاجه في العيد لإدخال السرور على عائلته لقوله عليه السلام: «أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم» (أخرجه ابن عدي والدار قطني). ومقدارها هو صاع من غالب قوت أهل البلد ويقدر الصاع بـ (2176) جراماً وقد جوز الأحناف إخراج قيمتها نقداً لأنها أكثر نفعاً للفقراء في قضاء حوائجهم، حيث تقدر قيمة زكاة الفطر عن كل فرد في هذا العام بثمانية شواقل أو ما يعادلها من العملات الأخرى.
فعلينا أن نشمر عن ساعد الجد، ونغتنم هذه الأيام المباركة المتبقية من العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، هذا الشهر الذي كان شهر خير وبركة علينا وعلى المسلمين.
الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة
خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك