أجرى دراسة عن أزمة الغذاء والطاقة فى مصر، وخرج بنتائج وبيانات أحسبها مفزعة ومروعة، فقد كشفت دراسته عن أن المصريين يستهلكون يوميا 220 مليون رغيف يذهب منها 20 مليونا إلى سلة المهملات، بسبب سوء الاستهلاك والشراء، وبعملية حسابية بسيطة فإن هذا الفاقد المهدر يكلفنا سنويا 365 مليون جنيه.

والقيمة الواجب علينا التوقف عندها بجدية حقيقة، أننا نشكو من ملايين الأشياء على مدار اليوم منذ أن نستيقظ وحتى نومنا، لكننا لا نلقى بالا لإصرارنا البالغ حد الغيظ على ثقافة الإهدار، وكأننا ننتقم بواسطتها من إحباطاتنا وعجزنا وقلة حيلتنا، وإلا بماذا نفسر صراخنا غير المنقطع بالشكوى من زيادة أعداد الفقراء والمحتاجين فى طول البلاد وعرضها، ثم نلقى مع غروب شمس كل صباح 20 مليون رغيف فى الزبالة.

سيقول كثيرون: إن الخبز ربما لا يصلح للأكل لأسباب عدة، بدورى سوف أوافقك الرأى فى أن هذا يسرى على مليون أو حتى عشرة، لكن هذا العدد الكبير يدل على استمتاع جزء كبير منا بخيار الفائض. فحينما نذهب لشراء الخبز أو غيره من مستلزماتنا اليومية نقول لأنفسنا لو اشترت حاجات زيادة عما احتاجه لن تضر وسوف تكون تحت يدى فى البيت. وتكون النتيجة إحضارها وتخزينها، وقد لا أستعملها وتأخذ طريقها للقمامة، انظر أيضا إلى عادتنا المتوارثة فى إقامة الولائم والعزائم، فالدليل فى نظرنا على الكرم الحاتمى أن أكدس الأطباق والأصناف على المائدة أمام الضيوف الذين يتناولون ما يشتهون منها على قدر طاقتهم، أما ما يتبقى فإنه يوضع ربما لأيام فى الثلاجة قبل التخلص منه.

ومظاهر الإهدار كلنا أعلم وأدرى بها ولا داعى لتكرارها، وإن جلست بين أسرتك وأقاربك وأصدقائك بإمكانك كتابة قوائم مطولة لها، ولكن إلى متى سنبقى أسرى دولة " اهدارستان"؟

لقد جربت معنا وسائل شتئ أبان العقود المنصرمة بلا جدوى، لأننا تعودنا فى الأغلب الأعم على التعاطى مع حملات المحافظة على المياه ومكافحة مرض البلهارسيا بالامتناع عن نزول الترعة وغيرها وغيرها على أنها فقرات ترفيهية وسط فواصل الإعلانات المملة وقت عرض مسلسلات المساء والسهرة. هذا الموقف اعتبره جزءً مهما من حالة الهروب المتعمدة من جهتنا جميعا من الاستحقاقات الواجب علينا الالتزام بتنفيذها، فلو أن كل واحد منا فكر للحظات فيما يهدره من طعام وخبر ومياه وكهرباء وقطع أشجار.. الخ وفى توجيهه لمستحقيه لكان حالنا غير الحال، فإصلاح المجتمع بكل ما فيه من مواضع خلل يقع جزء منه على كاهلنا كمواطنين، بعيدا عن الارتكان لمقولة الجمود وفحواها وأنا ما لى هل أنا الذى سأغير الكون؟ نعم ياسيدى تستطيع تغيير الكون وليس مجتمعك لو توقفنا للحظات عن التمسك بأهداب ثقافة الإهدار التى بات لها قوانينها وقواعدها المعوقة داخل كل واحد منا، ولنبدأ حملة قومية لتحطيم أسوار سجن "إهدارستان".