منقول بتصرفمن نلوم ؟ ؟
شاهدت حلقة من برنامج ساخر لا يخلو من سخافة متخلفة!
" فحتى السخافة عندنا هي أسخف من سخافة الغرب "
كما يقول الرافعي ..
كان الممثل يصنّع " مقالبه" في الناس الطيبين ..
وكان يكشف عن هويته ، بعد أن يستفزهم إلى ذروة الغضب ..
ومن هذه المشاهد أذكر أنه راح يمثل دور ضرير يهمّ بعبور الشارع ..
بادر أحد الطيبين إلى مساعدته في العبور ، فراح يسخر منه ، ويعرّض به ، ويتثاقل عليه ..
وأخيراً كشف عن هويته فإذا هو مبصر العينين ، رغم أنه كان ضرير الفؤاد ..
قلت يومها في نفسي :
حتى متى نسخر من عواطف الطيبين فنسحقها ؟!
ماهي تداعيات هذا المشهد المتماجن في أخلاق أبنائنا المساكين؟!
هو من غير شك قتلٌ لروح حب الخير، وللغيرية الفطريةالتي تميَّز بها الإنسان ، والتي تنهض بها الأمم ..
..
مساكين هم الناس الطيبون!
كم يُسلّمون عقولهم لمن يقودونهم في طريق ذواتهم الضيقة!
ليس لهم في الحياة إلا التضحية ودفع الثمن ، ليقطف غيرهم المجد والأوسمة..
كم تُستدعى كرائم عواطفهم لتُسحق تحت أقدام العابثين !
كم تُحشد هذه العواطف، فتُرفع في فضاءالفرح الموعود ،
ثم يرمى بها لتهوي في قاع من الإحباط سحيق !..
كم يُحشدون ليصفقوا بحب وحفاوة وتكريم للمحبوب الملهم ،
ثم لا يكون جزاؤهم إلا إعراضه عنهم ، وغفلته عن رد التحيات بمثلها، أوحتى بأقل منها!
وكيف سيذكرهم المحبوب، وبينه وبينهم حاجزعريض من نسيانه لهم! ..
هو لا يراهم أصلا ، لأنه محكوم عليه بالسجن المؤبد بين المرايا ،
فهو لا يرى غير جمال ذاته الفريدة ..
وحتى لو خطب فيهم فسيقف على ذروة مجد شاهق ، ليراهم جميعاً كسجادة حمراء مُدّت في طريق مجده الأثيل..
وإذا ما اقتربت منه الأضواء ، تعاظم ظله على جدار العصر ،
بقدر ما يتصاغر في نفوس الأحرار ..
وكلما اقترب الضوء ، وتضخم الظل على الجدار،
تضاءل في عيون الأحرار ..
وأتذكر وصية ابن المبارك :
" لا تشتر صداقة ألف رجل بعداوة رجل واحد " !
فكيف بمن يشتري عداوة الكرام بصداقة نفس بخيلة!..
..
من نلوم ؟!
الجلاد ، أم الذين ناولوه السوط ، وقالوا له :
هذه كراماتنا فاجلد ..
اجلد وشدّ .. قُطعت يدك !
هو لم يجلدهم إلا بعد أن صنعوا له سلسلة طويلة من الألقاب الكبيرة !
وهكذا الأمم الهاوية..
عندما تفشل في صنع الحياة ، وتعجزعن تكاليف السيادة ،
تتقدم في صناعة الألقاب ، لتلهوَ بها عن أحلام الحضارة ..
وصدق الرافعي :
(فكم من إنسانٍ مُطوَّلٍ في ألقابه .. مُختَصرٍ في معانيه !)..
من نلوم ؟!
***
**
المفضلات