فتاةالقطار
السابع عشر من شهر كانون الثاني
" يناير " لعام ألفين وثلاثة
بداية إجازة النصف الأول من العام الأول لي في كلية التربية
قسم اللغة الفرنسية ...
المكان محطة الجيزة ، قطار السابعة والنصف القادم من رمسيس
ودون موعد أو سابق إنذار فتاة جلست بجواري
لا يبدو عليها للوهلة الأولى أنها تثير الاهتمام فهي عادية جداً
ولكن ما تحمله لي الأيام معها " هو الشئ الغريب " ..
دقائق معدودة وأخذنا نتبادل أطراف الحديث كاثنين مسـافرين
وبعد وصول القطار كأن شيئاً لم يكن
هذا ما خيل لي أثناء الدقائق الأولى معها ، لكن حديثها معي ، وحديثي معها
لم يأتي كما يخيل لك بهذه السهولة
فلقد أخبرتني وهى صادقة أنها لم تتحدث مطلقا مع أحد لا تعرفه من قبل
لا في قطار أو سواه ولكن القدر وضع فيّ أثناء هذه اللحظات ما كانت تتمناه
لكنه ليس طبعي أو لست هو ما أنا عليه الآن !
تبادلنا الحديث في شتى الموضوعات وأُعجِبتْ كثيراً بما أعرفه
من تفسير لبعض الآيات والأحاديث ، وفجأة وجدت نفسي أُخرج
من جيبي قلماً كنت أحمله وكتبت على المقعد اسم " مُنى"
فأنا عادتاً ما أفعل ذلك فهى الشئ الوحيد الذي لا أنساه
............
سألتني عنها
أخبرتها بالكذب ونسبتُ حكايتها لي
"فلتسامحني مُنى"
ربماكانت نيتي أن أتسلى بموضوع دراما أكتر من اللازم
ما فوجئت به أننى تحولت فجأة إلى يوسف وهبي " وخدتنى الجلاله شويه "
وراحت تمطرني هي بوابل من التأسفات والاعتذارات لأنها فكرتني
بتلك الأحداث المريرة ؛ بعدها طلبت منى أن أناولها حقيبتها نهضت
من جوارها وناولتها إياها وابتعدت قليلاً لحظاتٍ وعدت إليها فوجدتها
قد أخرجت كتاباً وطلبت منى أن أحتفظ به
فطلبت منها أن تسطر لى ذكرى عليه
وراحت تسطر بحروفٍ جميله ذكري أجمل
إلى أخي شادي ...
وبعد انتهائها من كتابة الذكرى كتبتْ إسمها ثلاثي وعند قرأتى لما كتبت
إبتسمتُ وسكنت لحظاتٍ عن الكلام بعدها سألتها : لماذا لم تكتبي اسمك
وفقط ؟
أجابتني : لأني قد وثقت بك .
ويبدو أن هذا الشئ الأخير هو ما أتعسها بعد ذلك
" لأنها وثقت بى" .
كنت عندما يقع ناظريا على ناظريها ينتابني إحساس غريب*************
وكأني لأول مرة في حياتي أرى فتاة أو أعرف فتاة أو أرى
عيون جميلة لكنها كانت بكل أدبٍ وحياء تتفادى تلك اللحظات
وبعد أن أوشكنا على تجاوز نصف الطريق تعبنا من الكلام لكنى لم أتعب
من النظر إليها كنت أشعر باشتياق إليها وهى بجواري وكأن بعد وصول القطار
سوف يتوه في الزحام شئ غالي علي لكن ما هو ؟
هذا مالا أعرفه !
ودار في ذهني أن أعطيها رقم هاتفي لكنى ترددت قد لا ترضى أو قد تغضب
هذا ما دفعني إلى الصمت وهى أيضا كان يدور في ذهنها نفس الموضوع
تنتظرني أن أعطيها رقم هاتفي لكنها كانت أسرع منى وأشجع أيضاً
حين طلبته هي
عندما طلبته أخذت أضحك وهى أيضاً راحت تضحك وأخبرتني أنها كانت تقرأ
ما كان يدور بداخلي
ليس غريب عليها فلقد حدث لي معها أشياء أغرب
عندما أخبرتها أنها تشبه إحدى أقربائي وحين سألتها عن اسمها كان نفس الاسم
وحين سألتني عن تاريخ ميلادي كان نفس تاريخ ميلادها !
ساعات مضت كأنها لحظات وراح القطار يبطئ إستعداداً لوصولنا المحطة الأخيرة
حملت حقيبتي وحقيبتها وانتظرنا اللحظات الأخيرة قبل سكون القطار بجوار الباب
كنت أشعر أن هذا الباب حين يفتح لن أجد الرصيف بل سأجد غرفة الإعدام
كان يصرخ هذا الشعور بداخلي كطفلٍ سوف يتركه أبواه إلى الأبد !
مضى يومان وكاد يتبدد الأمل في أن أسمع صوتها ثانيتاً أو أن أراها مرة ًأخرى
لكنها خيبت كل ظنوني حين دق جرس الهاتف وسمعت صوتها من جديد
هذه المرة تسأل عني ، وعاودتني لحظات الإرتباك ألأمر الذي جعلني أشعر بأنه
ميلاد حب جديد في حياتي ، صار سؤلها عنى متكرراً كل يوم
أول ما أسمع عندما أصحو صوتها ألذى كان يحمل لي في نبرته ورود الدنيا
ومزيداً من شعورى بهذا الحب وأيضاً مزيد من الألم
لأني كذبت عليها في كل شئ أخبرتها به
بالرغم من أن ما رأيتها عليه هو كل ما أتخيله وكل ما أرجوه في فتاة أحلامي
وبالرغم أيضاً من أننى أكره الكذب ولست معتاداً عليه ، لما فعلت ذلك ؟
صدقاً لا أدرى
!
ولكنى لم استطع ان استمر أكثر في خداعها
أخبرتها ذات يوم بان ما تعرفه عنى أحاديث واهية
عدا شئ واحد هو أنى أحببتها حقاً
وعلى العكس مما توقعت صار حبها لي يضاهى الشمس وربما اكبر
هذا الحب الذي سيضع عما قريب حداً لذاته !
تمنت أن تعود معي إلى القاهرة في قطار واحد
" ولكن الله أراد خلاف "
توسلت إلي أن أسافر معها في قطار الخامسة والنصف صباحاً ولكنى تحججت بأشياءٍ كثيرة
توسلتْ إلي أن أتركها تنتظرني من السادسة صباحاً وحتى الحادية عشر موعد قطارى ................ لنكمل سوياً مشوارنا إلى القاهرة ولكنى رفضت
أخبرتني أنها ستنتظرني من الثانية ظهرا في الجيزة وحتى وصول القطار
الذى سيصل فى السابعة مساءاً تقريباً ورفضت أيضاً
أخيراً بعد إصرارها وافقت على أن تنتظرني في رمسيس قبل وصول القطار بدقائق
بعد كثيرا من توسلاتها إلي
وشاءت الأقدار في الرابع عشر من فبراير أن نلتقي ثانيتا في رمسيس
لا أدرى منذ متى وهى تنتظرني كان وجهها ينم على ما بداخلها " حبُّ وقلق "
احتضنتُ يدها بيدي وتمشينا كثيراً وأخيراً جلسنا كانت قد أخبرتني بأنها ستحضر لي معها هديه ، سألتها عنها وكانت المفاجاه قصيدتان ودمية أشبه بتميمة لقزم جالس يتجاوز عقلة الأصبع بقليل وانفجرت ضاحكاً ما هذا ؟
فطلبت منى أن أحترم هديتها التي لا أعرف مغزاها بعد
حدثتني أولاً عن قصيدتيها
إحداهما عن حالها كيف تغير وحدث ما لم يكن في حسبانها (أحبت) والثانية رداً على قصيدة " تبدين كعاصفة ! " التي أخبرتها عنها ذات يوم بأني قد سطرتها من أجلها
أما عن تميمتها أو حسب زعمها صديقتها قالت هذه صديقتي الوحيدة التي تعرف عنى كل شئ
ولكن أليست غريبة كل تلك المصادفات ؟!
دميتها كانت أحد هواجسي أيام طفولتي تشبه كابوساً غريباً كنت نادراً مالا أحلم به
أخبرتها في اليوم التالي عن ذلك الحلم القديم وأمام حبها لاشى أغلى ولا أعز
وحطمت تلك الدمية بكل قسوة !!!
....................................................وللحكاية بقيه............................
جلست سيدتي يوما معي
تتنبأ بمستقبلنا وكأنها تراه
يا ليت مُنْبئها يطلعها
عن الشئ الذى واراه .
........................... الشادى عبد الله ..............................................
المفضلات