السلام عليكم و رحمته تعالى و بركاته
ــ القمار مصيبة عظمى , و طامة كبرى , و هو داء عضال , سرت سمومه في عروق كثير من الرجال فأضاعت نعمتهم , و سلبت ثروتهم فاضمحل أمرهم , و سقطوا عن مراتب الجاه إلى أسفل درجات الذّل و الهوان , و أصبحوا على قوارع الطرق يتسولون - قال تعالى
( ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) .
فالميسرمهلكة للأمم, فكم خرب من قصور و كم التهم من أموال - كيف لا ؟ و المقامرة تقود إلى كثير من الرذائل , لأن الرابح يستفزه الربح إلى امتطاء متون الشهوات فيخوض عبابا للهو و البطالة و يندفع إلى الرذائل , فيخسر صيته و صحته و صلاح أخلاقه و إسراف أمواله .
فالمقامر سواء ربح أم خسر لا بد له من الإنفاق من ماله الحرام , و المال الحرام أثقل من الزئبق إذا وضع في الجيوب , فلا يلبث أن يفتتها و ينتثر منها , وهكذا مال المقامرين تراه يجوب بين جيوبهم .
مما لا شك فيه أن القمار معول الخراب , الذي لا يحب و لا يستطاب , فهو رسول الفاقة الذي ينزع البركة , و يعطل الحركة , بل هو الموت الأحمر و العار الأكبر , لأنه عار من الآداب و الفضائل ملبس بالجرائم , ساقط المروءة و الهمة , عديم الشرف و الذمة .
إن لكل داء دواء إلا المقامرة فإنها أعيت من يداويها و ذلك لأن الإنسان يميل بالطبع إلى اللهو على شغفه بتحصيل المال و الثروة . سواء ربح أو خسر فهو لايزال مواظبا على اللعب آملا تعويض الخسارة أو زيادة الربح حتى تصير المقامرة فيه ملكة راسخة متمكنة لا تقوى عليها نصائح الناصحين و نواهي الشرائع و الدين فهي كالداء العضال لا ينجح فيه دواء حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا .
إن جنون المقامرون فنون , و قصصهم عجائب و غرائب و هم منتشرون في كل مكان , معروفون في كل زمان مقذوفون بكل لسان , محكوم عليهم في كل الشرائع و الأديان , و كان منتشرا من قبل - كثيرا عند الرومان . فالمقامرة تخرب العقول فلا يبصرالمقامر الهاوية تحت أقدامه لأن بريق الذهب يبهر نظره , فهو كالظمآن في الصحراء يرى السراب فيظنه ماء فيجد السير إليه و لا يزداد إلا ظمأ . و هناك رجالا حضروا مجالس المقامرة لمجرد رؤيتها فعادوا من أكبر المقامرين , و من لعب مرة اضطرمت فيه محبة اللعب حتى لا يعود يقوى على دفعها , لذالك قيل : المقامرة لجة يغرق الغائص فيها لامحالة لأنها لا قرار و لا ساحل لها . و لهذا لا سبيل إلى اجتناب ضررها إلا بالابتعاد عنها و أفضل طرق الوقاية منها مجانبة الكسل و البطالة و البعد عن بيوت القمار ومصاحبة المقامرين - و هذه ذكرى للغافلين و تبصرة للعاقلين .
المفضلات