كشف اسرار الهيروغلفيه



ابن وحشية النبطي


وريادته في كشف رموز هيروغليفية
في كتابه
( شَوْق المُسْتَهام في معرفة رموز الأقلام )


د . يحيى مير علم
عضو مراسل في مجمع اللغة العربية بدمشق
قسم اللغة العربية وآدابها – كلية التربية الأساسية
دولة الكويت




غايةُ هذا البحث بيانُ ريادة ابن وحشية في كشف بعض رموز اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية قبل المستشرق الفرنسي شامبليون بأكثر من ألف عام ، وذلك من خلال إيراد ترجمة موثقّة له ، ولشخصيته العلمية ، ولآثاره التي خلّفها على كثرتها وتنوّعها وفقدان كثير منها ، وكذلك من خلال عقد دراسة موجزة لكتابه ( شوق المُسْتَهام في معرفة رموز الأقلام ) الذي تضمّن نحواً من تسعين قلماً من أقلام اللغات القديمة وأقلام التعمية التي كانت لغز أو رمز بها الأقدمون بعض علومهم ، اشتملت على بيان موضوعه ، ونُسَخه ، وسبب تأليفه ، ومادّته العلمية ، ومنهجه في تصنيفه ، وقيمته العلمية .

شـخـصـيته الـعـلـمـيـة

هو أبو بكر أحمد بن علي بن قيس بن المختار(1) المعروف بابن وحشية النبطي(2) والكلداني(3) والكسداني ( النبطي )(4) . مجهول المولد والوفاة ، وإن كان بعضهم قدّر وفاته أنها بعد سنة 318هـ أو قريباً من سنة 350 هـ ، غير أن الراجح بقرائن عدّة أنه عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري .
كان عالماً بالفلاحة والكيمياء والسموم والفلك والأقلام القديمة والسحر والحيل وغيرها . ولد في قُسِّين من نواحي الكوفة بالعراق ، وقد وصفه ابن النديم بالساحر لعمله الطِّلَّسمات والصنعة ، وترجم له في موضعين ، أولهما : في تراجم أصحاب السحر والشعوذة والعزائم ، وأخبر أنه كان له حظُّ من ذلك ، وثانيهما : في تراجم أهل الصنعة ( الكيمياء ) ، وعدَّ له فيهما ما يزيد على ثلاثين مصنَّفاً(5) .
إن ما عدّه له ابنُ النديم في الموضعين المشار إليهما على أهميته واستقصائه ، إذ كان أكثرَ مصادر ترجمته استيفاءً لآثاره فيما أعلم = لا يدلّ على حقيقة مجموع آثاره ، بقدر ما يدلّ على ما انتهى علمُه إلى ابن النديم ، فقد بلغت جملةُ آثاره المؤلَّفة والمترجمة الواردة في مجموع المصادر والمراجع، فيما وقفت عليه ، اثنين وخمسين كتاباً ، على اختلاف أحجامها ، وتنوّع موضوعاتها مع تعذّر الفصل في تحديد بعضها ، وعلى تعدّد مسميات بعضها ، مع اعتماد الأشهر أولاً متبوعاً بغيره ، أو الإحالة في غيره عليه .
بيد أن بعض مَنْ ترجم له أو درس بعض كتبه مثل ( الفلاحة النبطية ) من العرب والمستشرقين شكَّكوا في صحَّة نسبة قدرٍ منها إليه ، وعدُّوها مترجمةً أو منقولةً عن البابلية القديمة(6) . لكن هذا لم يفُت على المتقدّمين ، فقد نبَّـه بعضُ مَنْ ترجم له منهم على قَدْرٍ منها(7) ، ولم ينكر ابنُ وحشية نفسه ذلك ، إذ نصَّ في بعض كتبه على ترجمته أو نقله لبعض الكتب عن اللغة النبطية التي صنَّفها قبل الإسلام أجدادُه الكلدانيون القدامى وعن غيرها من اللغات(8) ، لذلك وجدنا بعض الباحثين(9) ينبِّـه على خطأ بعض الدراسات الحديثة في نسبة تصنيف مثل تلك الكتب إلى ابن وحشية ، أو إلى تلميذه أحمد بن الحسين بن علي بن أحمد الزيات . وهذا ليس على إطلاقه ، لأن بعض المصادر القديمة نسبتها إلى ابن وحشية، وعدّتها من كتبه .
وقد اتهمه بعض الباحثين من مستشرقين وغيرهم بالشعوبية ، أو بسوء العقيدة ، أو بالتزييف لبعض الأسماء أو الكتب ، أو بانتحال بعض الآثار التي نقلها عن غير العربية ، مستدلّين على ذلك بكلام له ورد في بعض كتبه(10) .

آثــاره :

مضت الإشارة قريباً إلى تفاوت المصادر والمراجع في مقدار ما أوردته من كتب ابن وحشية المُؤَلَّفة والمنقولة عن النبطية وغيرها من اللغات القديمة التي كان يعرفها ، ولمّا كانت مُصَنَّفاتُه كثيرةً ، وكان توثيقُ كلٍّ منها بالإحالة على الكتب التي أوردته لا يحتمله البحث ، وقد لا ينطوي على كبير فائدة ، فضلاً على ما سيكون فيه من تكرار ، إذ كان مجموع آثاره لا يخرج عمّا جاء في تلك المصادر والمراجع أو في بعضها ، مما ورد في توثيق ترجمته وآثاره في صدر الحواشي = رأيت مفيداً أن أقتصر فيما يأتي من الحواشي على الإشارة إلى ما دعت إليه الضرورة في توثيق بعض المصنّفات . من مؤلفاته (11) :


1 – الأدوار ، أو الأدوار الكبير على مذهب النبط : ويتألَّف من تسع مقالات ، ترجمه ابن وحشية عن اللغة النبطية(12) .
2 – الأســماء .
3 – الأصـول الصغـير : في الصنعة الشريفة ( الكيمياء ) .
4 – الأصـول الكبـير ، أو أصـول الحكمـة : في الصنعة أيضاً ، عن حجر الحكماء . ومنه نسخة محفوظة في دار الكتب الظاهرية ضمن مجموع رقمه ( 9769 )(15) .
5ـ أفـلاح الكـرم والنخـل : ذكره ابن وحشية في نهاية كتابه ( شوق المستهام ) ونصّ على أنه كان عنده بالشام مع كتاب ( علل المياه ) وأنه ترجمه من لسان الأكراد ، من أصل ثلاثين كتاباً رآها في بغداد في ناووس ، وذلك في تعقيبه على قلم قديم عجيب ، فيه حروف زائدة عن القواعد الحرفية ، نسب إلى الأكراد أنهم ادّعوا أن بينوشاد وماسي السوراتي كتبا فيه جميع علومهما وفنونهما(16) .
6– الحيـاة والمـوت في علاج الأمـراض : وهو مترجم عن كتاب لراهطا بن سموطان الكسداني .
7 – خواصّ النبـات والأحجـار المعدنيـة : كتاب لدوشام الكاهن ذكره ابن وحشية في كتابه ( شوق المستهام ) في صور الأشكال المعدنية التي اصطلح عليها الهرامسة الإشراقية والمشائية ، ونصّ على أن دوشام الكاهن ذكرها في كتابه الذي وضعه في خواصّ النبات والأحجار المعدنية ، وأنه جعله خاصّاً مكتوباً بهذا القلم ، وحضّ على معرفته وكتمه ، لأنه من الأسرار المخزونة في صور الأشكال المعدنية(18) . وعلى الرغم من أن ابن وحشية لم يصرّح بنقله للكتاب ، فإنّ حديثه الدقيق عنه ، وحضّه على معرفته وكتمه ، ونقله عنه صور الأشكال المعدنية = يجعل ذلك وغيرُه من الممكن أن يكون الكتاب ممّا ترجمه ونسي الإشارة إليه ، أو أشار إليه في كتاب لم يصلنا ، إذ لم يصرّح بجميع الكتب التي نقلها من اللغات الأخرى ، وكذلك لم يَسْتَوْفِ أيٌّ من المصادر إيرادَ جميع آثاره .
8 – رسـالة في الصناعـة أو الصباغـة الكيمياويـة .
9 – الرِّيـاسـة في عـلم الفـراسـة .
10 – سِـدْرة المُنْـتَـهى : عدّه المستشرق جوزيف همّر في مقدّمة تحقيقه لـ ( شـوق المستهام) مترجماً عن النبطية ، ووصفه بروكلمان بأنه حديث مع المغربي القمري عن مسائل تتعلّق بالدين وفلسفة الطبيعة(19) ، ونصَّ إسماعيل باشا على أنه في الكيمياء(20) .

11– السـمـوم ، أو السـموم والتـريـاقـات : ترجمه إلى الإنكليزية م . ليفي M.levey بعنوان ( علم السموم عند العرب في القرون الوسطى ) ونشرته الجمعية الفلسفية الأمريكية(21) .
12– شمس الشموس وقمر الأقمار في كشف رموز الهرامسة وما لهم من الخفايا والأسرار : نصّ ابن وحشية على ترجمته من لسان قومه ، وأحال عليه للاطلاع على أسرار الهرامسة(22) .
13– الشـواهد في معرفـة الحجـر الواحـد : لم ترد في تسـميته عنـد بروكلمـان كلمة ( معرفة ) وأحال على نسخة أخرى باسم ( كتاب الهياكل والتماثيل )(23) مع أن غيره أورد الكتابين معـاً .
14– شـوق المُسْـتَهام في معرفـة رمـوز الأقـلام : وهو موضوع البحث وبيت القصيد ، سيرد الحديث عنه مفصَّلاً .
15– الطـبـيـعـة .

16– علل المياه وكيفية استخراجها واستنباطها من الأراضي المجهولة الأصل : مضت الإشارة إلى أن ابن وحشية ذكره مع كتاب ( أفلاح الكرم والنخل ) وأنهما كانا عنده في الشام ، وأنه ترجمهما من لسان الأكراد ، وهما من أصل ثلاثين كتاباً رآها في ناووس في بغداد(25) .
17– غايـة الأمـل في التصـريـف والمـعـانـاة .
18 – الـفـلاحـة .
19- الفلاحـة الصغـير : ذكره بعضهم(26) ، ولعله كتاب الفلاحة المتقدّم .
20- الفلاحـة الكبـير : ذكره بعضهم(26) ، ولعله كتاب ( الفلاحة النبطية ) الآتي .
21– الفلاحـة النبـطيـة : وهو كتاب مشهور ، ذاع صيتُه ، وضخم حجمُه ، وتعدّدت نسخُه ، وكثُر اختلافُهم في تحديد مُؤَلِّف الأصل ، وفي زمنه . له طبعة مشهورة حقّقها الدكتور توفيق فهد ، صدرت عن المعهد الفرنسي للدراسات العربية بدمشق 1988م . ويتضمّن شرحاً لأساليب ونظريات الزراعة عند البابليين والآشوريين والمسلمين . أمّا مؤلّف الأصل فقد أرجعه أرنست رينان إلى توتامي الكوكاني خلال القرن الميلادي الأول ، وأرجعه شورلستون في دراسته للكتاب سنة 1859م إلى القرن الثاني قبل الميلاد . وقد نصَّ ابن وحشـية على أنه نقله من لسان الكسدانيين ، وهي اللغـة السريانية القديمة ( الآرامية ) إلى العربية سنة 291هـ ، أي زمن الخليفة المكتفي العباسي ( ت 295هـ )(27) ، وأنه أملاه على تلميذه أبي طالب علي بن محمـد الزيـات عام 318هـ / 930م ، وأنه وصّاه ألاَّ يمنعه أحداً يلتمسه ، مع وصيَّته له بكتمان أشياء أُخَر غيره ، وأنه وجد الأصل منسوباً إلى ثلاثة من الحكماء الكسدانيين ، فقد ابتدأه ضغريث ، ثم أضاف إليه بينوشار ، ثم تمّمه قوثامي ، وأن بين هؤلاء الثلاثة آماداً متطاولة ، تبلغ آلاف السنين . وثمَّة رواية أخرى ذهب إليها نولدكه(28) ، تشير إلى أن الكتاب لتلميذه السابق الزيات نقله إلى العربية في السنة المذكورة أنفاً . وقد سلف قريباً بيانُ غرضه من ترجمة هذا الكتاب وغيره من علوم أسلافه الأنباط . هذا واهتمَّ المتقدّمون بالكتاب لشهرته وكبير أهميته في بابه ، فاختصره بعضهم ، ووضع عليه آخرون تقييدات(29).
22– الفـوائـد العشـرون : وهو في الكيمياء .
23 – في معـرفـة الأحجـار أو الحجـر .

33 – كشـف الرموز وإشـارات الحكمـاء إلى الحجـر الأعظـم : وهو في الصنعة .
34 – كنـز الأسـرار ، أو الحكمـة في الكيميـاء ، أو كنـز الحكمـة : سمّاه بروكلمان (كنـز الحكمة) أو ( نواميس الحكيم ) وأورد ( كنـز الأسرار ) مسبوقاً بعلامتي = ؟ مما يشعر بأنه شكّك في كونهما كتابين أو كتاباً واحداً(32) .
35- كنـز الحكمة = كنـز الأسرار .
36 – ما يـتـصـرَّف من علوم الريـاضيـات .
– المدرجـة في الكيـميـاء .
– المذاكـرات في الصنـعـة .
– مطـالـع الأنـوار في الحكمـة : ذكر بروكلمان أن الإسماعيلية استعملوا هذا الكتاب كثيراً ، وأن حسين بن نوح أفاد منه في كتاب ( الأزهـار )(33) .

37 – مفتـاح الراحـة لأهـل الفلاحـة : ذكره أحد الباحثين في مقال له(34) ، ولم أجد غيرَه ذكره فيما رجعت إليه من المصادر والمراجع .
38– مناظرات ابن وحشـية مع عثمان بن سـويد الإخميـمي في الصنعـة : مترجم إلى العربية .
39– نـزهـة الأحـداق في ترتـيـب الأوفـاق .
40 - نواميس الحكيم = كنـز الأسرار .
.

ما سبق هو مبعض ما أوردته المصادر والمراجع من كتب منسوبة لابن وحشية تأليفاً أو ترجمةً ، بغضّ النظر عن تشكيك بعضهم في تأليفه أو ترجمته لها عن اللغات القديمة ، أو صحّة نسبتها إلى المؤلِّف الأصلي إن كانت مترجمة . على أنني لم أجد أحداً من الأقدمين أو المُحْدَثين من أوردها جميعاً أو استوفاها ، وقد مضت الإشارة إلى أن ابن النديم زاد ما أورده منها على ثلاثين كتاباً ، ومع ذلك لا يبعد أن تكون له كتبٌ أخرى ، لم تسعفنا المصادرُ المتاحة بمعرفتها ، قد تكشف عنها قادماتُ الأيام وجهودُ الباحثين .

ثـانـيـاً : كتابه ( شوق المُسْتَهام في معرفة رموز الأقلام )(35)

1 – مـوضـوعـه :

يُعَدُّ كتابُ ابن وحشية ( شوق المستهام ) أشهرَ ما انتهى إلينا من كتب الأقلام وأقدمها . ولا يخفى ما لدراسة الأقلام من أهمية بالغة في مجالات عِدّة مثل : الكشف عن اللغات البائدة ، ودراسة تاريخ اللغات ، والآثار، والترجمة ، والتاريخ ، وغيرها . ومن المعلوم أن هذه الأقلام إمّا أن تكون أقلاماً للغات طبيعية ، وهي رموز تصور اللغةَ المحكية مكتوبةً ، كرموز الفينيقية والعربية والسريانية والعبرية والفهلوية والهيروغليفية وغيرها ، وإمّا أن تكون أقلاماً للتعمية ، كأقلام الحكماء والفلاسفة وذوي الصنعة ( الكيمياء ) والعلوم الخفية ، وغيرهم من العلماء الذين رمزوا بها علومهم أو بعضها لدواعٍ عديدة معروفة .
بدت الحاجة واضحة لقيام الدواوين بغيةَ الكتابة والتراسل فيما بين أطراف الدولة منذ قيام الخلافة الإسلامية ، ثم بدأت الترجمة إلى العربية من اللغات السائدة والبائدة في دار الخلافة آنذاك مثل اليونانية والسريانية في بلاد الشام ، والفهلوية الفارسية في العراق وإيران ، واللغات الهندية المختلفة في الهند ، والقبطية في مصر ، والبربرية في شمال أفريقيا وغيرها . وكان بعض ما كتب في هذه اللغات مكتوباً بحروف معمّاة أو برموز بدل حروف اللغة ، مما يعرفه الخاصة ، وهذا ما سمي بالأقلام .
وتجدر الإشارة إلى أن العلماء العرب المسلمين قاموا بدراسات مهمّة للغات السائدة في عصرهم ، وللغات القديمة التي اطلعوا عليها , فتحدّثوا عن مختلف نظم الكتابة اليونانية والسريانية والمصرية القديمة ( الهيروغليفية ) والهندية والفارسية وغيرها . وكان مما دعا إلى نشـأة علوم الكتابة ودراسة الأقلام لديهم : تعريب الدواوين ، وازدهار حركة تعريب العلوم ، وانتشار الكتابة والقراءة بسبب حضّ الإسلام عليهما ، وتشجيع الخلفاء وغيرهم من أولي الأمر والأعيان للعلماء والمتعلّمين والمؤلّفين . كما درس العلماء العرب أقلام التعمية ، ووضعوا مصنّفات فيها ، وكان مما ساعد في ذلك :
آ - وجودُ نصوص معمّاة في الكتب المنقولة من اللغات الأخرى إبان حركة الترجمة إلى العربية، وعلى نحو خاصّ كتب الحكمة والصنعة والفلك والروحانيات وغيرها ، مما اقتضى حلّ رموز تلك الأقلام .
ب - الحاجةُ إلى فهم المكتوب على المواقع الأثريـة كالبرابي والأهرامات والنواويس والكنوز والخفايا والدفائن غيرها ، ومعلوم أن بعضها كان مكتوباً بقلم معمّى .

2 - نُـسَـخُـه :

تحتفظ عِدَّةُ مكتبات تتوزعها بعضُ الدول بنسخ مخطوطة من كتاب ( شوق المستهام ) منها: - نسـخة المكتبـة الوطنيـة في باريـس برقم ( 6805/131 ) .
- نسـخة المكتبة الوطنية في النمسا برقم ( 68 ) .
- نسـخة مكتبة عالي سبسهالار في إيران ، نشرها مصوّرة عن الأصل الأستاذ إياد الطباع ملحقةً بكتابه ( منهج تحقيق المخطوطات ) وأثبت تحت عنوانه ( ومعه كتاب شوق المسـتهام في معرفة رموز الأقلام )(36) ، ولم يذكر رقمهـا فيها , وقد صدّرها بفهرسٍ للفصـول والأبواب في ست صفحات ( 119- 124 ) شاب آخره بعض الاضطراب والخطأ ( ص 124 ) وأتبعه بمقدمة للمعتني بالكتاب في ست صفحات ، تحدث فيها باختصار عن الكتاب والنسخة المصوّرة التي شغلت من صفحات الكتاب ما بين ( ص 131 - 205 ) .
- طبـعة المستشرق النمساوي جوزيف همّر التي صدرت في لندن 1806م ، وهي تعدّ أقدم طبعة للكتاب ، تضمنت النصَّ العربي لمخطوط ( شوق المستهام ) في ( 136 ص ) ، وترجمته إلى الإنكليزية في ( 54 ص ) وقدّم لها بدراسة لابن وحشـية ومصنفاتـه وكتابه ( شوق المستهام ) وقيمته العلمية والأدبيـة ، وأثره فيمن بعده ، والأبجديـات القديمـة والأقلام البـائدة ، جاءت في ( 20 ص ) . وقد نص المستشرق همّر في مقدمته للطبعة على أنه وجد نسخة الأصل المعتمدة في القاهرة ، وأنها سَلِمت من أيدي الفرنسيين الذين اشتهروا بجمع الكتب الشرقية والمخطوطات القيمة، وذلك خلال حملتهم المشهورة على مصر ، وتحتفظ بأصل هذه النسخة مكتبةُ المتحف البريطاني تحت رقم 440.H.173 (37) . ولا يخفى أن هذه الطبعة عزيزة نادرة الوجود لقدمها وأهميتها ، إذ لا تكاد تقع على نسخة مطبوعة منها إلا في قليل من المكتبات العريقة ، منها نسخة في مكتبـة المتحف الوطني بدمشق ( دار الآثار العربية ) .
- ثَـمّـة نُسَـخٌ أخرى في مكتبات عامّة أو خاصّة ، منها واحدة لدى الأستاذ عدنان جوهرجي بدمشق .
وتجدر الإشارة إلى أن جميع النُّسَخ المتقدّمة تُعَدُّ متأخّرة ، فقد نقلت عن نسخة كتبت سنة 1166هـ أو 1165هـ ، وهي منقولة عن نسخة كتبت سنة 413هـ ، وهذه منقولة عن نسخة أصل ابن وحشية المكتوبة سنة 241هـ .


3 - سـبـب تـألـيـفـه :

قدّم ابنُ وحشية لكتابه ( شوق المستهام ) بمقدّمة موجزة نصّ فيها على السبب الذي دعاه لتأليف هذا الكتاب , وعلى الغاية التي رمى إليها من وضعه , وعلى منهجه الذي سلكه في إعداده، فقد ألفه نزولاً عند رغبة مَنْ لا تُرَدّ دعوته , وتغيّا منه انتفاع الطالبين والراغبين بالعلوم الحكمية والأسرار الربانية , والتزم إثبات كلّ قلم بقديم رسمه ، ومشهور اسمه ، وذكر تحته ما يقابله بالعربية بالحمرة , تمييزاً له من غيره , ورتّبه على أبواب , وختم مقدّمته بالنصّ على تسميته الكتاب . ولفظه في جميع ما سبق : ((. . . وبعد ، فإنه لمّا سألني مَنْ لا تُرَدّ دعوته أن أجمع له أصول الأقلام التي تداولتها الأمم الماضية من الفضلاء والحكماء السالفين والفلاسفة العارفين ، فيما رمزوا بها كتبهم وعلومهم ، لينتفع بها الطالبون والراغبون للعلوم الحكمية والأسرار الربانية ذاكراً القلم برسمه القديم واسمه المشهور , وشرح حروفه ، وسـمّيته شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام ))(38) .

4 مادته العلمية


مضت الإشارة إلى أن كتاب ابن وحشية ( شوق المستهام ) تضمّن نحواً من ( 90 ) قلماً ، وهي في إحصائي ( 89 ) قلماً برسومها وصورها وما يقابلها في اللسان العربي إن كان , وجميعها من الأقلام القديمة التي استعملتها الأمم الماضية ، أو ممّن غبر من الحكماء والفلاسفة والملوك وغيرهم ، جُلُّها من الأقلام التي لغزوا أو رمزوا بها كثيراً من علومهم وفنونهم في الحكمة والعقائد والطب والفلك والكيمياء والعلوم الخفيّة مثل : السحر والطّلّسمات والحيل والأوفاق والسيمياء والنيرنجات والقلفطريات وغيرها ، وما وضعوه أو صنعوه من كنوز وبرابٍ ونواويس ودفائن وتراكيب وأخلاط وترياقات وغيرها .
وقد جاء الكتابُ في مقدمة موجزة وثمانية أبواب , اشتمل كلّ منها على فصول تقلّ وتكثر وفق موضوع الباب الذي ينتظمها :
فقد حوى البابُ الأول ثلاثةَ فصول جاءت موزّعةً على ثلاثة أقلام ، هي : الكوفي السوري , والمغربي الأندلسي , والهندي بأنواعه الثلاثة .
وتضمن البابُ الثاني سبعةَ فصول ، انفرد كلّ منها بأحد الأقلام السبعة المشهورة : السرياني, والنبطي القديم , والعبراني , والبرباوي , والقمّي , والمسند , وقلم الحكماء .
وأما البابُ الثالث فقد جعله لأقلام الحكماء السبعة المشهورين , فجاء في سبعة فصول , استقلّ كلّ منها بقلم حكيم منهم , وهم : هرمس , وأقليمون , وأفلاطون , وفيثاغورث , وأسقليبوس , وسقراط , وأرسطوس .
وأفرد الباب الرابع لأقلام الحكماء التي ظهرت بعد السبعة المتقدمة , مقرونةً بأسماء واضعيها من الحكماء المتقدمين المشهورين بالمعارف والعلوم , وقد جاء هذا الباب كبيراً في ( 24 ) فصلاً , توزّعت على أربعة وعشرين قلماً , هي أقلام: بليناس , والبرباوي , وفرنجيوش , والمعلّق , والمربوط, والجرجاني , والنبطي القديم , والأحمر والطّلّسمي , والرمزي , وقسطوجيس , وهرمس أبوطاط , وسوريانيوس ، وفيلاوس ، والمشجر , والداودي, وديمقراطيس , وقفطريم , والفراقاني , وزوسيم العبري , ومارشول , وأفلاطون .
وأما البابُ الخامس فوقفه ابنُ وحشية على أقلام الكواكب السبعة: زحل ، والمشتري ، والمريخ , والشمس , والزهرة ، وعطارد , والقمر .
وجعل البابَ السادس لأقلام البروج الاثني عشر بأصولها كما في كتبهم وذخائرهم : الحمل , والثور , والأسد , والسنبلة ، وعطارد , والميزان ، والعقرب , والقوس , والجدي ، وزحل ، والدلو ، والحوت .